تسلا تدفع ثمن تأخرها: كيف تدمّر الشركة الصغيرة الأمريكية؟

قد تبدو قصة شركة صغيرة تعمل كمقاول تسوق مشروعًا ضخمًا مدعومًا من تسلا مطلبًا للحلم الأمريكي. لكن ما حدث هو العكس تمامًا: لم يدفع لها عملاق السيارات الكهربائية ما عليه من مستحقات، تاركًا الشركة في خسائر وتداعيات وصلت حد الإفلاس. وفي ظل تعامل مماثل لفئات أخرى من المقاولين الصغار، تتكشف اليوم سياسة مالية تُشكل تهديدًا حقيقًا لاقتصاد الأصغر في أمريكا.
ما كان يوصف بمشاريع دائمة النمو وابتكار تكنولوجي، انقلب إلى مأساة يومية لشركات تعتمد على تسلا كمصدر دخل رئيسي. بقيمة إجمالية تزيد عن 110 مليون دولار من الفواتير غير المدفوعة عبر السنوات العشر الماضية في تكساس فقط، صار اللامبالاة المالية خطرا حقيقيا على شركات أثبتت كفاءتها وخبرتها في الميدان.
1. عقود ضخمة تنتظر مدفوعات ... وأرزاق تنهار
شركات مثل Professional Process Piping، التي عملت في بناء أحد مصانع تسلا الكبرى في تكساس (Gigafactory)، توضح حجم الضرر. بعد أن وظفت عشرات العمال واستخدمت معدات مكلفة لتنفيذ مشروع ضخم، توقفت تسلا عن الدفع، مما اضطر الشركة إلى الدخول في ديون وقروض كبيرة أدت إلى إعلانها إفلاسًا، رغم دفع جزء صغير لاحقًا قدّر بنحو 650,000 دولار والذي لم يغطي سوى جزء ضئيل من الخسائر.
أما شركة Full Circle Technologies المتخصصة في أنظمة الأمان، فقد علّقت على المشروع بصراحة: شركة تسلا امتنع عن دفع مبلغ يقارب 600,000 دولار، مبررةً ذلك بأن الشركة سبقت وتجاوزت شروط العقد، وهي حجة إستُخدمت لتحرير تسلا من الالتزام.
ما يربك الخبراء والمراقبين هو كيفية بقاء تسلا – عملاق بقيمة سوقية تزيد على تريليونات – دون مصلحة في التدقيق على التزامات صغيرة كهذه، خصوصًا تلك التي توصلت من البنوك أو من التزامات مالية أخرى دفعت بها شركات صغيرة إلى الإفلاس.
2. ما رواه المقاولون من الورشة
في مقابلات مع بعض المقاولين الذين قَدموا خدمات مباشرة لتسلا، كان شعورهم يتراوح بين الصدمة من حجم الفواتير الضائعة والإحباط من الرد الرسمي. بعضهم قال إنهم فوجئوا بإلغاء جزء من قيمة المشروع فجأة أو بفوائد تأخير دفعت شركاتهم إلى الإفلاس.
يقول أحد المقاولين: “كل مشروع ضخم هو ثروة صغيرة لبعض الشركات الصغيرة. عندما تتأخر Tesla عن الدفع، مكان أسرتي بالكاد حافظ على نشاطه، والآن للأسف مشغول بالقروض”.
إشارات عدة تحدثت عن أن تسلا تعتمد مراكز تحويل داخلية لتأخير المدفوعات، أو أنها ترفض الدفع إذا تجاوزت مدة العقد الأصلية أو مثلا إذا زادت التكاليف قليلاً، حتى لو تم إبلاغ الشركة مسبقًا.
3. الدعاوى القضائية تكشف القصة
وفق تحقيق Electrek، تقدّم أكثر من 250 مقاولًا أو موردًا بشكاوى رسمية ضد تسلا في مقاطعة هاريس ونواحٍ أخرى من تكساس. هذه الشكاوى شكلت نحو 110 مليون دولار من علاقات مطالبات قانونية (liens) لرسوم غير مدفوعة خلال سنوات.
في قسم كبير منها لا تزال المدفوعات غير مستلمة بالكامل؛ ما زالت حوالي 24 مليون دولار معلقة في دعاوى قيد التنفيذ، وهو ما يعني أن عدالة القانون تعمل ببطء كبير.
مقارنة بالشركات الأخرى مثل Apple أو Google، لم تستقبل تسلا شكاوى كبيرة بهذا القدر مقابل عقود مماثلة، ما يطرح تساؤلات جدّية حول نمط دفعها وعدم التزامها.
4. تبعات اقتصادية على الكادر الصغير
خمسة عشر شركة على الأقل بدأت مشاريع بناء معدات أو خطوط إنتاج كاملة لتسلا، لكن وقوعها في ديون تجاوزت القدرة جعلها تعلن في مرحلة لاحقة توقفًا عن التشغيل.
خسائر تتراوح بين خسارة الإيداعات وتسديد رواتب موظفين قبل استلام الفواتير من تسلا، وتكاليف معدات تراكمت لكنها لم تُسدد بالكامل، ما أدى إلى انهيارات مالية شملت خسارة الأصول وحتى الرؤوس.
أحد المقاولين شارك في مشروع خارج ارتباط تسلا لاحقًا، لكنه قال إن “الخطر الأكبر ليس العقد فقط، بل أني دفعت بكل قوتي في مشروع مع تسلا، ولم أجدها عندما احتجناها”.
5. الواقع التنظيمي والدعوة للتغيير
نقاط الخلل هنا لا تبدأ فقط من تسلا، بل تعاني أيضًا من ضعف في رقابة العقود الحكومية، والتي تسمح للشركات الكبرى بأن تدخل في صفقات ضخمة دون ضمانات كافية وتأكيد على سداد ظرفي خلال فترة زمنية 30-60 يومًا.
يرى محللون قانونيون أن الممارسة العقابية الطوعية – أي أن شركات مثل تسلا توقع على عقود دون رغبة حقيقية في الالتزام بالمدفوعات – يجب أن يواجهها قانون إلزامي بالدفع السريع. وهذا قد يشجع شركات قوية مثل هذه على اتباع أخلاق مالية أفضل، أو مواجهة غرامات لاحقة.
في مجلس الشيوخ الأمريكي، طرح بعض النواب مشروع قانون لتقييد إقدام الشركات العملاقة على تأخير الدفع من خلال تقييد استخدام نظام liens لاحتكاكها بالموردين الصغار. يُذكر أن نظام Liens في القانون الأمريكي يسمح للمقاولين بالدخول في دعوى قضائية تضمن فيه الشركة الكبرى دفع المستحقات أو يتم سجنها كديون على الأصل.
القصة هنا ليست فقط عن أموال مفقودة، بل عن مستقبل أعمال صغيرة تأثرت بعملاق يُفترض أن يدعم اقتصاد الابتكار. فإذا تمكنت شركة واحدة من تهديد وجود مقاولين بعدم الدفع، فكيف سيكون حال اقتصاد العمل الحر؟ وكيف نضمن أن شركات مثل تسلا تدفع ما عليها في الوقت المناسب؟