جهود لتعيين سمير حليلة حاكماً لغزة.. من هو سمير حليلة؟

اسم جديد يطفو على سطح المشهد الغزّي: سمير حليلة. رجل أعمال من رام الله قد يجد نفسه في منصب حاكم قطاع غزة القادم، وفقاً لتسريبات إعلامية مثيرة. كشفت صحيفة إسرائيلية عن اتصالات سرية تجري منذ أشهر بهدف تنصيب حليلة مديرًا لمستقبل غزة، بدعم من قوى دولية وإقليمية. فما القصة وراء هذه المبادرة الغامضة، ومن هو سمير حليلة الذي يتصدّر العناوين فجأة؟
صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية كشفت عن جهود خلف الكواليس لتعيين سمير حليلة حاكمًا على قطاع غزة. الفكرة تقوم على إدخال شخصية فلسطينية مقبولة إسرائيليًا وأمريكياً تحت رعاية جامعة الدول العربية لإدارة غزة وتهيئة الوضع لما يسمى “اليوم التالي” بعد الحرب. وبينما تتجاهل إسرائيل رسميًا بحث مستقبل غزة السياسي، هناك من يحاول فرض وقائع جديدة عبر هذه الترتيبات السرية. فما تفاصيل هذه الخطة، ومن يقف وراءها؟
جهود خلف الكواليس: خطة برعاية دولية
تتحدث التقارير عن سلسلة تحرّكات تجري بالتنسيق مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للدفع بحليلة ليكون “المحافظ” المقبل للقطاع. إذ يعمل على الترويج لهذه الخطة لوبي إسرائيلي يحمل الجنسية الكندية يدعى آري بن مناشيه، وهو شخصية مثيرة للجدل في عالم جماعات الضغط. بن مناشيه هذا سجّل نفسه رسميًا كوكيل ضغط لصالح سمير حليلة في الولايات المتحدة قبل أشهر، بهدف التأثير على صنّاع القرار في واشنطن لدعم ترشيح حليلة حاكمًا لغزة. وتفيد الوثائق المقدمة لوزارة العدل الأمريكية بأن المبادرة تحظى بدعم ضمني من أطراف دولية ترى أن إدارة غزة عبر شخصية فلسطينية مستقلة وبرعاية أمريكية-عربية قد تكون السيناريو المفضل للجميع.
هذه التحركات بدأت سراً منذ أواخر عهد إدارة جو بايدن، لكنها اكتسبت زخمًا أكبر مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض. خلال الأسابيع الأخيرة، تسارعت وتيرة الاتصالات بفضل لقاءات رتبتها واشنطن واتصالات أجراها حليلة في القاهرة. وبن مناشيه - الذي يصف دفع هذه الخطة بأنها مسألة مهمة شخصيًا بالنسبة له - صرّح بشكل مثير: "هذه الخطوة جيدة لليهود". فهو يسوّق الخطة لمسؤولين رفيعين في الإدارة الأمريكية، مركّزاً على أن يعمل حليلة تحت مظلة الجامعة العربية وخصوصاً بدعم مصر والسعودية. بهذه الطريقة يتم تجاوز أي رفض إسرائيلي لإعادة سيطرة السلطة الفلسطينية رسميًا على غزة، عبر خلق صيغة إدارة جديدة برعاية عربية دولية.
اللافت أيضًا هو شخصية آري بن مناشيه نفسه: فهو ضابط استخبارات إسرائيلي سابق وُلد في إيران، ارتبط اسمه بفضيحة إيران–كونترا في الثمانينات. انتقل للعيش في كندا وأصبح لاعباً دولياً في كواليس الضغط، حيث قدّم خدماته لحكومات وشخصيات مثيرة مثل رئيس زيمبابوي الراحل روبرت موغابي والمجلس العسكري في ميانمار وغيرهم. ومع عملائه الحاليين تضم القائمة حكومات في أفريقيا وآسيا وحتى رئيسًا لدولة بوركينا فاسو. واليوم، يضع ثقله وعلاقاته خلف مشروع تنصيب سمير حليلة في غزة، مما يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وما إذا كان الأمر خطة جديّة أم مجرد ورقة ضغط على حركة حماس.
من هو سمير حليلة؟
قد يتساءل كثيرون: من أين أتى سمير حليلة إلى المشهد، ولماذا وقع عليه الاختيار؟ سمير حليلة (62 عامًا تقريبًا) شخصية معروفة في الأوساط الاقتصادية والسياسية الفلسطينية، حتى لو لم يكن وجهًا شعبيًا عند العامّة. في السطور التالية نستعرض أبرز محطات سيرته الذاتية:
- مناصب حكومية رفيعة: شغل حليلة منصب الأمين العام لمجلس الوزراء الفلسطيني سنة 2005 (حكومة أحمد قريع الثالثة)، وكان بمثابة الذراع التنفيذي لرئيس الوزراء آنذاك. لاحقًا عُيّن وكيلًا لوزارة الاقتصاد والتجارة في السلطة الفلسطينية، حيث شارك في رسم السياسات الاقتصادية.
- خبرة اقتصادية واسعة: ترأس مجلس إدارة المعهد الفلسطيني لأبحاث السياسات الاقتصادية (ماس) وهو مركز أبحاث اقتصادي بارز. كما انضم لمجلس إدارة مركز التجارة الفلسطيني (بال تريد) الذي يعنى بتشجيع التصدير والاستثمار.
- إدارة شركات كبرى: شغل حليلة منصب المدير العام لشركة باديكو القابضة (PADICO)، أكبر شركة استثمار قابضة في فلسطين. هذه الشركة تدير استثمارات بملايين الدولارات في قطاعات مختلفة، ما أكسبه شبكة علاقات واسعة في عالم الأعمال. كذلك تولّى رئاسة بورصة فلسطين (سوق فلسطين للأوراق المالية) لعدة سنوات حتى شهر آذار/مارس الماضي، حيث أشرف على عمليات التداول وسوق الأسهم الفلسطينية.
- علاقات دولية مميزة: يُعتبر سمير حليلة قريبًا من رجل الأعمال الفلسطيني الملياردير بشّار المصري، صاحب مشروع مدينة روابي الحديثة في الضفة الغربية. المصري معروف أيضًا بعلاقاته الوثيقة مع إدارة ترامب الأمريكية، ما يعني أن حليلة يمتلك قناة تواصل غير مباشرة مع دوائر صنع القرار في واشنطن. هذه النقطة ربما تفسّر جزئيًا لماذا يرى بعض المراقبين الأمريكيين في حليلة خيارًا مناسبًا ومقبولًا دوليًا.
إذاً، نحن أمام رجل تكنوقراط بخبرة حكومية واقتصادية، وليس قياديًا تقليديًا في أي من الفصائل الفلسطينية. هذا ربما يجعله مرشّحًا مطمئنًا للبعض في المجتمع الدولي، باعتباره وجهاً جديدًا براغماتيًا قد يقدر على التعامل مع تعقيدات إعادة إعمار غزة.
ملامح خطة “اليوم التالي” لغزة
وفق ما سُرّب من وثائق بن مناشيه المقدمة لواشنطن، لا يقتصر الأمر على تعيين شخص بمنصب جديد، بل هناك خطة متكاملة يجري تسويقها تحت عنوان إدارة غزة بعد الحرب. هذه الخطة تتضمن خطوات وإجراءات غير مسبوقة، بعضها قد يغيّر واقع غزة بشكل جذري. فيما يلي أبرز ملامح الخطة كما وردت في التسريبات:
- انتشار قوات دولية في غزة: نشر قوات أمريكية وعربية في قطاع غزة لضمان الأمن والاستقرار بعد وقف الحرب. وجود قوات عربية مدعومة أمريكياً قد يهدف لتطمين إسرائيل من جهة وضمان قبول دولي من جهة أخرى.
- وضع خاص تحت مظلة أممية: حصول غزة على وضع خاص معترف به من الأمم المتحدة، ربما شبيه بإدارة انتقالية بإشراف دولي. هذا الوضع سيحدد إطار إدارة القطاع بشكل لا يجعلها دولة مستقلة تمامًا ولا تحت الاحتلال المباشر، بل نموذج خاص لفترة انتقالية.
- مشروع ميناء ومطار خارج غزة: استئجار أراضٍ في شبه جزيرة سيناء المصرية لبناء مطار دولي وميناء بحري يخدمان غزة. هذه المنشآت ستكون شريان حياة اقتصادية للقطاع دون مروره بالإسرائيلين، حيث يتم إنشاء الميناء والمطار على أراضٍ مصرية قريبة، وتخصيصهما لخدمة أهل غزة.
- استثمار ثروات طبيعية: منح حقوق تنقيب عن الغاز قبالة سواحل غزة لشركات دولية، على أن تعود عوائدها لتحسين اقتصاد القطاع. حقل الغاز في بحر غزة يعتبر كنزًا محتملاً، والخطة تقترح استغلاله بترتيب يضمن استفادة الفلسطينيين منه مع إشراف دولي.
- حزمة إعادة إعمار ضخمة: تقدّر الخطة تكلفة إعادة إعمار غزة بنحو 53 مليار دولار. هذا رقم هائل يُظهر حجم الطموح؛ وسيتم تأمين المبلغ عبر استثمارات وهبات من دول الخليج الراغبة بالمساهمة، إلى جانب التزام مطلوب من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. الأموال ستُضخ في مشاريع بنية تحتية وإسكان وترميم ما دمّرته الحرب، أملاً في تحويل غزة إلى ورشة بناء كبرى.
رؤية سمير حليلة: وقف الحرب أولاً
رغم هذه التصورات الطموحة، سمير حليلة نفسه يتوخى الحذر في الحديث. ففي مقابلة مقتضبة معه خلال تواجده في عمّان، شدّد على أن الخطوة الأولى والأساسية هي إنهاء الحرب الدائرة والتوصل إلى وقف إطلاق نار دائم. يقول حليلة: "عندها فقط يمكننا الحديث عن اليوم التالي"، مشيرًا إلى أنه بدون وقف كامل للقتال لن يكون لأي خطة معنى. ويتصور حليلة أنه سيكون بمثابة “مدير مشروع” لإعادة إعمار غزة أكثر من كونه حاكمًا بالمعنى التقليدي. هو يتخيل دوره كمنسّق لجلب المساعدات وإدارة جهود البناء، بدل الانخراط في المناكفات السياسية.
ضمن رؤيته التفصيلية، يطرح حليلة خطة إغاثية عاجلة فور توقف الحرب:
- مساعدات يومية ضخمة: إدخال ما لا يقل عن 600 إلى 1000 شاحنة مساعدات يوميًا إلى غزة في الفترة الأولى. هذه الكمية الضخمة تهدف لسد الاحتياجات الإنسانية العاجلة وإطلاق عجلة الاقتصاد المحلي.
- معابر مفتوحة: فتح 4 إلى 5 معابر حدودية أمام تدفق البضائع بحرية، بحيث لا تستطيع إسرائيل التحكم أو تقييد دخول المواد الأساسية. هذا يعني إنهاء الحصار عمليًا والسماح بدخول مستلزمات الإعمار من الأسمنت للحديد وغيره دون قيود خانقة.
- فرض النظام والأمن: بالتوازي مع عجلة الإعمار، يؤكد حليلة وجوب إعادة القانون والنظام إلى القطاع. “يحتاج الناس إلى الشعور بوجود سلطة في غزة – ليست سلطة حماس أو حتى السلطة الفلسطينية حاليًا، بل سلطة محايدة يجب احترامها”، هكذا يرى الأمر. ويشدد أنه لا يمكن السماح ببقاء غزة تعجُّ بـ"أسلحة بقايا حماس أو الجهاد" بعد الحرب، لأن الناس بحاجة للشعور بالأمان في بيوتهم.
هذه التصورات تكشف أن حليلة يرسم سيناريو لقطاع غزة منزوع السلاح تقريبًا (من الفصائل) وتحت إشراف سلطة أمنية جديدة، بالتزامن مع فتح الأبواب على مصراعيها للمساعدات والاستثمارات. إنها رؤية طموحة جدًا قد تبدو للبعض أشبه بخطة مارشال جديدة لغزة، لكن تنفيذها على الأرض يواجه أسئلة صعبة.
هل تنجح هذه المبادرة؟
الخطة بلا شك طموحة وجذرية، لكنها أيضًا تثير الكثير من التساؤلات والشكوك. أهمها: هل تسمح الظروف السياسية والميدانية بتنفيذها؟ حتى الآن، لا تقدم إسرائيل ولا حماس موقفًا علنيًا من فكرة إدخال حاكم جديد لغزة. حماس، التي تسيطر على القطاع منذ 2007، بالتأكيد لن تقبل طوعًا بالتخلي عن نفوذها. وإسرائيل بدورها تردد رسميًا أنها لا تسعى لإعادة احتلال غزة، لكنها أيضًا تتحفظ على عودة السلطة الفلسطينية بشكلها السابق. المبادرة تبدو محاولة لإيجاد خيار ثالث، لكن هل يكتب لها النجاح؟
على الجانب الإيجابي، برز في الأيام الأخيرة بصيص أمل دبلوماسي. لأول مرة وافقت إسرائيل (بتنسيق مع الأمريكيين) على البحث في إنهاء الحرب بشكل كامل بدل الاكتفاء بهدن مؤقتة. حتى أن ستيف وينتر، مبعوث ترامب الخاص لشؤون الرهائن، صرّح أمام عائلات أسرى إسرائيليين: "الخطة ليست توسيع نطاق الحرب، بل إنهاؤها". هذا التغيير في النبرة يشير ربما إلى ضغط أمريكي حقيقي لوقف القتال والانتقال لترتيبات ما بعد الحرب. وبالفعل، قبل أيام صوت المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر ضد مقترح الجيش باحتلال غزة بالكامل وتهجير سكانها لمناطق أخرى، في إشارة إلى رفض سيناريو الحل العسكري البحت. كل ذلك يفتح الباب أمام بدائل مدنية لإدارة غزة، قد يكون سيناريو حليلة أحدها.
مع ذلك، تقف تحديات هائلة في الطريق. فحتى لو توقفت الحرب قريبًا، سيبرز سؤال الشرعية: من فوّض سمير حليلة لتمثيل الغزيين؟ هل سيقبل به أهل غزة كشخصية غير منتخبة جاءت بدعم خارجي؟ وماذا عن موقف السلطة الفلسطينية نفسها ورئيسها محمود عباس – هل سيتنازل عن دوره لصالح حاكم جديد في غزة؟ ثم هناك معضلة الفصائل المسلحة: إخراج حماس والجهاد الإسلامي من المشهد أو نزع سلاحهما ليس أمرًا يمكن تحقيقه بتصريح أو خطة ورقية. إنه صلب الصراع.
الأيام والأسابيع المقبلة ستكشف إن كانت هذه الجهود هي خطة جدّية قابلة للتنفيذ أم مجرد ورقة ضغط سياسية لإجبار حماس على تقديم تنازلات. لكن الواضح الآن أن هناك تحركات غير علنية، وخاصة في واشنطن، لتمهيد الطريق إلى “اليوم التالي” في غزة. اسم سمير حليلة ربما لن يكون الأخير الذي يُطرح في هذا السياق، لكنه حتماً أول مؤشر ملموس على شكل السيناريوهات المطروحة لما بعد الحرب.
المستقبل بيد أهل غزة أيضًا
في نهاية المطاف، يبقى السؤال الأهم: هل ما يحتاجه الغزيون حقًا هو حاكم جديد يأتي على دبابة دبلوماسية دولية، أم مساعدات ومشاريع دون فرض وصاية سياسية؟ خطة تنصيب سمير حليلة تعكس رغبة إقليمية ودولية في تغيير واقع غزة، لكنها لن تنجح ما لم تكن إرادة أهل غزة جزءًا أساسيًا منها. هل سنرى تحولاً جذرياً يقود لإعمار غزة وطي صفحة الحرب أخيرًا؟ شاركنا رأيك في الاستطلاع أدناه: هل تؤيد تعيين شخصية تكنوقراطية كسمير حليلة لإدارة غزة تحت إشراف دولي وعربي من أجل إعادة الإعمار وبسط الأمن؟