قصة الهروب الكبير.. حسين كامل

هزّ إعلان انشقاق حسين كامل المجيد، وزير التصنيع العسكري، وصهر الرئيس الأسبق صدام حسن، بمثل هذا اليوم قبل 30 عاما، بعدما فرّ إلى الأردن برفقة أخيه صدام كامل وزوجتيهما (رغد ورنا ابنتي صدام) أركان نظام صدام حسين في بغداد.
خطوة جريئة كشفت أسراراً خطيرة عن برامج تسليح العراق، وأحرجت نظام صدام دولياً، فما الذي دفع حسين كامل للمغامرة بكل شيء؟ وكيف انتهت حكايته بنهاية مأساوية بعد عودته إلى العراق؟
صعود نجم حسين كامل داخل دائرة صدام
- بزغ حسين كامل (مواليد 1954) كأحد أقارب صدام المقربين وصهره (زوج ابنته الكبرى رغد)، تولى وزارة التصنيع العسكري، وقاد برامج سرية للصواريخ، وأسلحة الدمار الشامل بقبضة حديدية، وكان يُنظر إليه كـ "رجل لا يُرفض له طلب" داخل العائلة الحاكمة، حتى أن البعض توقّع أنه خليفة محتمل لصدام بفضل نفوذه وسطوته.
- تصاعدت خلافات في الخفاء بين حسين كامل، وعدي صدام حسين (نجل الرئيس الأكبر)، وأشار مقربون إلى أن عدي شعر بتهديد لطموحه من نفوذ حسين كامل، وبلغ التوتر ذروته بعد حوادث اعتداء قام بها عدي، منها قتله أحد الخدم المقربين لصدام، مما أثار استياء حسين كامل، هذه الصراعات الداخلية زرعت بذور الشك والخوف المتبادل.
ليلة الهروب إلى عمّان
في 8 أغسطس 1995، خطط حسين كامل وشقيقه صدام كامل سراً لهروبهما، ورتّبا الأمر بإحكام وأقنعا العائلة بأنهما ذاهبان في مهمة رسمية عبر عمّان، وفور وصولهم إلى الأردن قدّموا لجوءاً سياسياً حصلوا عليه بترحاب من الملك حسين شخصيًا، وكان برفقتهم رغد ورنا وأبناءهم، ما جعل الأمر انشقاقاً عائلياً مزدوجاً.
بعد أيام من لجوئه، خرج حسين كامل في مؤتمر صحفي بعمّان يوم 12 أغسطس/آب 1995، شنّ فيه هجوماً على نظام صدام ودعا لإسقاطه، كاشفا أسرار برامج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية العراقية التي كان مشرفًا عليها، معترفا بما أخفته بغداد عن أعين المفتشين لسنوات، الأمر الذي صدم العالم وأحرج النظام بشدة.
صدمة صدام وانتقامه الكلامي
في بغداد، جنّ جنون صدام حسين؛ وفوراً جرّد حسين كامل وأخاه من رتبهم وألقابهم، وأعلن محاكمتهم غيابياً بتهمة الخيانة العظمى، فيما شنّت وسائل إعلام النظام حملة شعواء تصف المنشقَّيْن بأنهما "عملاء وجواسيس خانوا الوطن"، كما طلّق صدام ابنتيه رغد ورنا من زوجيهما.
الأشهر الستة في المنفى والوهم الذي تبدّد
- اعتقد حسين كامل أنه بإفشائه الأسرار سيحضى بدعم الغرب لتغيير النظام في بغداد، ظانّا أن واشنطن ستتبناه ربما ليقود العراق بعد صدام، لكن حساباته كانت خاطئة؛ فالغرب أراده مصدر معلومات ليس إلا، ولم ينجح في تشكيل أي حركة معارضة فعّالة، حينها أدرك أن لا مستقبل سياسي له بالخارج.
- خلال تلك الفترة، استغلّت الأمم المتحدة وجوده لكشف مواقع أسلحة العراق المخفية، وبالفعل قدّم لهم معلومات قيمة أعادت التفتيش "إلى نقطة الصفر" كما قيل، لكن بالمقابل، ضاع دعم القوى العظمى له كبديل محتمل لصدام.
رسالة صدام المغرية
بعد مرور 6 أشهر، ومع شعوره بالعزلة، تلقى حسين كامل رسالة مفاجئة من صدام عبر وسطاء، عرض عليه عفواً شاملاً إن عاد هو وشقيقه إلى العراق، مؤكداً "أن كل ما صدر عنهما سيُغفر"، وفي لحظة ضعف وحنين للعائلة والوطن – وربما بعد أن استبدّ به اليأس – صدّق حسين كامل العرض، وقرر وأخوه العودة في فبراير 1996، رغم تحذيرات الكثيرين بأن الأمر خدعة.
العودة إلى بغداد.. والنهاية المأسوية
- وصل الشقيقان الحدود يوم 20 شباط/فبراير 1996، واستقبلهما قصي وعدي (نجلا صدام) عند المعبر بمظهر تصالحي، لكن خلف الكواليس، كان قرار تصفيتهما قد اتُخذ،أُرسل حسين كامل وأخوه إلى بيت العائلة لحمايتهم شكليًا، فيما عُقدت اجتماعات عشائرية لعشيرتهم (البو مجيد) تقرر فيها الأخذ بالثأر "غسلاً للعار".
- مساء 23 شباط/فبراير حاصرت قوة من أبناء عمومة حسين كامل مدججة بالسلاح منزله في حي السيدية، ودار اشتباك شرس بينهم استمر حتى الفجر – قرابة 12 ساعة – قاوم خلاله حسين كامل، وأفراد من عائلته حتى نفدت ذخيرتهم، وانتهى الأمر باقتحام البيت وقتل كل من فيه؛ حسين كامل كان آخر من قُتل بعد أن شاهد مصرع أخويه، ووالده، وأطفاله في مشهد دامٍ أنهى فصل الانشقاق بطريقة أقرب للأفلام الدرامية منه للواقع.
تصفية "ثوب عشائري"
برر صدام حسين ما جرى بأنه "ثأر عشائري"، وليس عملية اغتيال سياسية، إذ قاد علي حسن المجيد (ابن عم حسين كامل) الهجوم بنفسه لينتقم "لشرف العشيرة"، وهكذا تجنب النظام تحمل المسؤولية المباشرة، تاركًا القبيلة تغسل يديها بدماء ابنها الذي اعتُبر خائناً.