"أبناء كورش العظيم، إسرائيل معكم".. هكذا غازل نتنياهو الإيرانيين

في خطوة مفاجئة ومثيرة للجدل، وجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، رسالة مصورة غير معتادة إلى الشعب الإيراني قائلاً لهم "أنتم أبناء كورش العظيم... أنا معكم في نضالكم من أجل الحرية".
اختار نتنياهو، المعروف بتشدده تجاه النظام الإيراني، هذه المرة خطابًا مباشرًا بالإنجليزية مُترجمًا للفارسية، أشاد فيه بالإرث التاريخي للإيرانيين عبر ذكر اسم الملك الفارسي القديم كورش الكبير، الذي يحظى بتقدير لدى الإيرانيين واليهود على حد سواء، أثار هذا الفيديو التساؤلات حول مقاصد إسرائيل الحقيقية؛ هل هو مجرد تكتيك دعائي لاستثمار حالة التململ الشعبي داخل إيران؟ أم محاولة صادقة لفتح قنوات تواصل مع الشعب الإيراني بمعزل عن نظامه؟
إسرائيل وإيران.. أعداء سياسات وأصدقاء تاريخ
رغم العداء السياسي المرير بين طهران وتل أبيب منذ عقود، هناك جذور تاريخية وإشارات إيجابية يستحضرها نتنياهو في خطابه:
أولا: الإرث التاريخي لكورش؛ يُعتبر كورش الكبير (ملك فارس القديم) شخصية إيجابية في التاريخ اليهودي لأنه سمح لليهود بالعودة من السبي البابلي قبل أكثر من 2500 عام، واستخدم نتنياهو هذا الرمز التاريخي ليخاطب الإيرانيين قائلاً "أنتم أحفاد ذلك الملك العظيم الذي احترم حريات الآخرين" في تلميح إلى ضرورة استعادة الإيرانيين لحريتهم اليوم.
ثانيا: علاقات ما قبل الثورة الإسلامية عام 1979؛ ذكّر الخطاب بشكل ضمني بالعلاقات الوثيقة التي جمعت إيران وإسرائيل في زمن الشاه، فقد كانت إيران -آنذاك- حليفًا استراتيجيًا لإسرائيل، وتعاون البلدان في مجالات شتى.
محتوى الرسالة المثيرة
تضمّن فيديو نتنياهو عدة رسائل أساسية موجهة للإيرانيين، أبرزها:
- وعد بالمساعدة في أزمة المياه؛ أقرّ نتنياهو بمعاناة إيران من أسوأ موجة جفاف وشح مياه في تاريخها، عارضًا خبرات إسرائيل في مجال تحلية المياه وإدارة الموارد المائية، حيث قال مخاطبا الإيرانيين "في اللحظة التي تتحرر فيها بلادكم، سيتدفق خبراؤنا إلى كل مدينة إيرانية لجلب التكنولوجيا والمعرفة اللازمة لضمان مياه نظيفة ووفيرة لكم"، هذه الوعود جاءت بعد أن انتقد نتنياهو بشدة النظام الإيراني لعجزه عن توفير الماء والكهرباء لشعبه.
- دعوة صريحة للانتفاض؛ دعا نتنياهو الإيرانيين علنًا إلى الخروج للشوارع والمخاطرة طلبًا للحرية، مقتبسا كلمات تيودور هرتزل القائلة "إذا أردتم فليس الحلم بخيال"، ليقول للإيرانيين "إذا أردتم، فإن إيران الحرة ليست حلمًا"، وحثّهم "حان وقت العمل... حان وقت النضال من أجل مستقبل أفضل لكم ولعائلاتكم، تظاهروا ضد الطغيان واطلبوا العدالة".
- نفي العداء للشعب؛ شدد رئيس الوزراء الإسرائيلي أن عداوة حكومته هي مع "النظام الاستبدادي في طهران"، وليس مع الشعب الإيراني، شارحا "النظام الإيراني يهتف: الموت لإسرائيل، أما ردنا فهو الحياة للشعب الإيراني!، وبهذا حاول نتنياهو تصوير نفسه كحليف للشعب ضد قيادته.
دوافع نتنياهو: دعاية أم إستراتيجية؟
يثير هذا الخطاب غير المسبوق تكهنات حول أهداف نتنياهو الحقيقية:
- استغلال الاحتجاجات الداخلية؛ جاءت رسالة نتنياهو في وقت تواجه فيه الحكومة الإيرانية احتجاجات شعبية متكررة بسبب الأوضاع الاقتصادية، وملفات مثل شح المياه وانقطاع الكهرباء، ويبدو أنه يسعى لركوب موجة الغضب الشعبي، وتشجيعها ضد النظام، مما قد يخدم مصالح إسرائيل الأمنية عبر إضعاف خصمها الإقليمي.
- تخفيف العزلة الدولية؛ يحاول نتنياهو أيضًا تحسين صورة إسرائيل أمام الرأي العام الإيراني وربما العالمي، بإظهار تعاطفه مع الشعب الإيراني؛ هذه الدبلوماسية الناعمة قد تكسب تعاطفًا أو على الأقل تكسر الصورة النمطية لإسرائيل كعدو لجميع الإيرانيين.
- رسالة للغرب؛ يُوجّه نتنياهو رسائل مبطنة للدول الغربية مفادها أن المشكلة في النظام الإيراني لا الشعب، ربما كمحاولة لحشد دعم دولي لأي خطوات مستقبلية ضد طهران، إذ يوحي بأن أي تغيير سياسي في إيران سيحظى بدعم إسرائيلي كبير لإعادة إعمار البلاد وحل مشاكلها.
ماذا عن الإيرانيين.. كيف تلقوا الرسالة؟
- ترحيب من المعارضة الإيرانية في الخارج؛ العديد من النشطاء الإيرانيين المعارضين المقيمين في أوروبا وأميركا اعتبروا رسالة نتنياهو دعمًا معنويًا مهمًا للمتظاهرين، وبعضهم نشر على تويتر أن "شعب إيران بحاجة لكل صوت يدعم حريته حتى لو جاء من إسرائيل".
- استهجان النظام الإيراني؛ بطبيعة الحال، ندّد المسؤولون في طهران بالرسالة واعتبروها "تحريضًا سافرًا" على الفتنة الداخلية، ووصفها متحدث باسم الخارجية الإيرانية بأنها "مسرحية سخيفة"، مؤكدًا أن "من يدعي اهتمامه بمياه الإيرانيين هو نفسه من يمنع عنهم المياه عبر العقوبات" في إشارة إلى العقوبات التي تعرقل تحديث البنى التحتية بإيران.
- حيرة المواطن العادي؛ بالنسبة لكثير من الإيرانيين داخل البلاد، وصلت الرسالة عبر وسائل ملتوية شبكات VPN وقنوات معارضة؛ البعض رأى فيها ذراعًا إسرائيلية ممدودة ينبغي التفكير فيها مليًا، بينما سخر آخرون متسائلين "إذا كان نتنياهو يحبنا لهذا الحد، فلماذا يهددنا بالحرب ليل نهار".
لم يكن استعطاف نتنياهو للإيرانيين حدثًا عابرًا، بل خطوة ضمن مساعٍ إسرائيلية مستمرة لفصل الشعب الإيراني عن نظامه الحاكم، ويبقى السؤال: هل تنجح هذه الإستراتيجية في كسب قلوب الإيرانيين وتقوية شوكة الاحتجاجات؟ أم أن معظم الإيرانيين، رغم خصومتهم مع نظامهم أحيانًا، سيرفضون وصاية أو وعودًا قادمة من عدو تقليدي؟ يبدو أننا أمام مرحلة جديدة من الحرب الباردة بين طهران وتل أبيب، ساحتها عقول وولاءات الشباب الإيراني