القناة 14 الإسرائيلية.. حين يصبح السلاح جزءًا من المشهد الإعلامي

في مشهد أقرب للأفلام منه لنشرات الأخبار، أثارت قناة 14 الإسرائيلية، المعروفة بميولها اليمينية المتشددة، ضجة كبيرة بعد ظهور مذيعة تحمل مسدسًا على خاصرتها داخل الاستوديو، ومراسل يحمل بندقية رشاشة خلال تغطية ميدانية.
تداولت مواقع التواصل صور المذيعة، ليتال شيمش، وهي تقدم نشرة الأخبار وعلى خصرها مسدس مرئي بوضوح فوق ملابسها الرسمية، كما انتشر مقطع فيديو لمراسل القناة من موقع سقوط صواريخ إيرانية قرب تل أبيب، وهو يتنقل وبيده سلاح حربي أثناء تعليقه على الهواء، هذان المشهدان أثارا التساؤلات: ما الذي يحدث داخل الإعلام الإسرائيلي حتى بات الصحفيون يظهرون مدججين بالسلاح؟ وهل فقد الإعلاميون الشعور بالأمان لدرجة تسلحهم في الميدان والاستوديو؟
مشاهد غير مألوفة.. صحفيون أم أفراد من الجيش؟
- خلال تقرير ميداني من ضاحية حولون، جنوب تل أبيب، بعد تعرضها لقصف صاروخي إيراني، ظهر مراسل القناة 14 مرتديًا درعًا واقيًا، ويضع بندقية على كتفه بينما يصف المشهد بدت الخلفية كأنها منطقة حرب، لكن المثير أن المراسل نفسه كان مسلحًا، ما حوّل التغطية الإخبارية إلى ما يشبه بثًا قتاليًا مباشرًا.
- الواقعة الأخرى تعود إلى يناير 2024 حين نشرت صحيفة "إسرائيل اليوم" صورة للمذيعة، ليتال شيمش، وفي خاصرتها مسدس شخصي أثناء تقديمها نشرة الأخبار داخل الاستوديو، آنذاك، علّقت الصحيفة بالقول "من بين النساء اللواتي سلحن أنفسهن، المذيعة ليتال شيمش من القناة 14"، مشيرةً إلى ظاهرة ازدياد تسلح المدنيين وبينهم العاملون في الإعلام.
عسكرة الإعلام الإسرائيلي
يرى مراقبون أن هذه المشاهد غير المسبوقة تلخّص واقع التحريض والعسكرة المتنامي داخل المنظومة الإعلامية الإسرائيلية، فما أسباب تحول الصحفيين هناك لحمل السلاح؟
- انعدام الشعور بالأمان؛ منذ هجمات 7 أكتوبر 2023، يعيش الإسرائيليون موجة خوف غير مسبوقة من عمليات فلسطينية أو هجمات من جبهات متعددة، هذا الخوف انسحب حتى على الصحفيين؛ فالمراسل الذي حمل البندقية كان يغطي قصفًا إيرانيًا، وشعر أن عليه الدفاع عن نفسه إن اقتضى الأمر، وبات حمل السلاح مبررًا لدى كثيرين كإجراء احترازي حتى خلال أداء عملهم المدني.
- ثقافة "كلنا جنود"؛ قناة 14 مقربة من اليمين الديني القومي الداعم لنتنياهو، وتتبنى خطابًا يعتبر الإسرائيليين في حالة تعبئة دائمة ضد الأعداء، ضمن هذا الخطاب، لا غضاضة في أن يظهر الصحفي كـ "مقاتل على جبهة المعلومات"، وقد سبق لمسعفين وحتى موظفي إسعاف إسرائيليين أن ظهروا مسلحين أثناء عملهم، في مشهد صار معتادًا مؤخرًا.
- انتشار السلاح بين المدنيين؛ وفق صحيفة هآرتس، قُبيل 7 أكتوبر 2023 كان لدى 172.000 مستوطن تصاريح حمل سلاح، وبعد الأحداث، وزعت وزارة الأمن القومي أكثر من 157.000 رخصة جديدة، ولا يزال 50 ألف طلب إضافي قيد النظر، أي تضاعف العدد تقريبًا خلال أشهر ليقارب 330.000 مسلح من المدنيين حتى مارس 2025، وسط هذا المناخ، ليس مستغربًا أن نجد صحفيين ضمن هؤلاء المسلحين.
مفارقة.. سلاح للصحفيين الإسرائيلي واستهداف الصحفيين الفلسطينيين
المفارقة المؤلمة أنه بينما يتسلح الإعلاميون الإسرائيليون، يعاني الصحفيون الفلسطينيون من الاستهداف المتعمد والممنهج، فالتقارير تشير إلى أن القوات الإسرائيلية قتلت أكثر من 230 صحفيًا فلسطينيًا منذ بدء عدوان غزة في أكتوبر حتى اليوم.
كما وثّق مركز "صدى سوشيال" الحقوقي أكثر من 70 مصطلح كودي تحريضي يستخدمه الإعلام الإسرائيلي لوصم الصحفيين الفلسطينيين بأنهم "إرهابيون بأزياء صحفيين"، هذا الخطاب يبرر أمام الرأي العام استهدافهم المباشر، كما حصل في المجازر التي سبقتها حملات تحريض عبر السوشيال ميديا.
ولم تعد إسرائيل تكتفي باعتبار الصحافة الفلسطينية عدوًا، بل ذهبت لتسليح صحافييها وجعلهم جزءًا من المجهود الحربي، ويعلق خبراء أن ذلك يخالف كل المواثيق الدولية التي تشدد على حماية الصحفيين كمدنيين، فعندما يصبح الصحفي مقاتلًا حاملًا للسلاح، تسقط عنه صفة الحيادية والحماية، ويصبح طرفًا في الصراع.
ردود الفعل داخل إسرائيل
- اعتبرت أصوات يسارية ومعتدلة أن هذا "انحدار لمستوى غير مسبوق" في الإعلام، وكتب أحد المعلقين في صحيفة هآرتس "حين يظهر الصحفي بمسدس على الشاشة، فإنه يرسل رسالة أن الخبر نفسه أصبح سلاحًا… هذه بروباغندا عسكرية وليست صحافة حرة".
- على الجانب الآخر، مجّد أنصار اليمين خطوة قناة 14، وامتلأت الشبكات بتعليقات داعمة، مثل: "كل الاحترام لليتال شيمش – النساء يتسلحن أيضًا للدفاع عن الوطن"، ورأوا أن على باقي القنوات الإسرائيلية أن تحذو حذوها لكسر صورة "الضعف" ومواجهة الحرب الإعلامية المعادية بقوة.
- لكن بعض خبراء الأمن الإسرائيليين حذروا من مخاطرة سلامة الجمهور، فتواجد سلاح في الاستوديو قد يؤدي لحوادث عرضية، كما أن مراسلًا مسلحًا قد يشتبك دون تنسيق مع الجيش في الميدان، ما يخلق فوضى، لكن هذه التحذيرات تاهت وسط ضجيج التحريض.
إعلام أم تعبئة؟
تعكس قناة 14 وغيرها من وسائل الإعلام اليمينية في إسرائيل ميلًا متصاعدًا لدمج الدورين: الصحفي والمقاتل، في زمن يعتبره الإسرائيليون "معركة وجودية"، تلاشت الخطوط الفاصلة بين الجندي والإعلامي، وبين الخبر والبندقية، والنتيجة هي منظومة إعلامية معسكرة تبرر لنفسها كل شيء، من التحريض ضد الخصوم إلى انتهاك معايير مهنة الصحافة التقليدية، هذه الأساليب قد تحقق تعبئة داخلية على المدى القصير، لكنه على المدى البعيد يطرح أسئلة خطيرة: ماذا تبقى من مصداقية الإعلام حين يصبح جزءًا من آلة الحرب؟ وأي ثمن ستدفعه الحقيقة وسط دخان البندقية والميكروفون؟