تقرير فرنسي.. يُعيد "حلايب" و"شلاتين" إلى الواجهة

عاد النزاع التاريخي بين مصر والسودان حول مثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد عبر بوابة تقرير فرنسي أحدث ضجة بإعلانه عن "تطور مفاجئ" في هذا الملف الشائك، فوفقًا للتقرير الذي نشره موقع فرنسي متخصص "ريزو انترناسيونال"، أبلغت السلطات السودانية لجنة ترسيم الحدود القومية لديها بضم مثلث حلايب إلى مصر تمهيدًا لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، بمعنى آخر، إذا صح ذلك، فإن السودان يكون للمرة الأولى قد أقرّ ضمنيًا بسيادة مصر على المنطقة المتنازع عليها، فكيف وصلنا إلى هذه النقطة؟ وما البعد التاريخي لهذا الخلاف الذي يعود لأكثر من 100 عام؟
جغرافيا وسيادة.. ما هو مثلث حلايب؟
- يقع مثلث حلايب في أقصى الشمال الشرقي للسودان (أقصى الجنوب الشرقي لمصر)، بمساحة حوالي 20.000 كم² على ساحل البحر الأحمر، ويضم بلدات حلايب، وأبو رماد، وشلاتين، وتكتسب المنطقة أهمية إستراتيجية نظرًا لموقعها الساحلي وخطوط الملاحة قربها، بالإضافة لثرواتها المعدنية، حيث توجد مناجم ذهب ومعادن أخرى.
- بدأ الخلاف على السيادة منذ ترسيم الحدود عام 1899 بين مصر والسودان إبان الحكم الثنائي (البريطاني-المصري)، رُسم الحد عند دائرة عرض 22 شمالًا، ما جعل المثلث ضمن السودان إداريًا، لكن في 1902 أعادت بريطانيا إلحاق حلايب إداريًا بمصر لتسهيل إدارة شؤون قبائل "البجا" هناك، هذا التداخل في الخرائط بين 1899 و1902 هو أصل المشكلة، فكل طرف يعتمد خريطة مختلفة لتأكيد أحقيته.
- أما الآن فتسيطر مصر فعليًا على المثلث منذ منتصف التسعينيات، فقد أحكمت القاهرة قبضتها على المنطقة عام 1995 بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في إثيوبيا، والتي اتُهم نظام السودان بدعمها، ومنذ ذلك الحين، تنتشر القوات المصرية في حلايب وتديرها القاهرة كجزء من محافظة البحر الأحمر.
التقرير الفرنسي ومضمونه المفاجئ
أفاد التقرير الفرنسي، نقلاً عن مصدر مطلع، أن تفاهمًا تم بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء جمعهما هذا العام، يقضي التفاهم باعتراف السودان بسيادة مصر على حلايب وشلاتين كمقابل لحصول السودان على دعم مصري في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع السعودية.
وزعم التقرير أن البرهان وجّه في 11 مايو 2025 خطابًا إلى مجلس السيادة السوداني، ومفوضية الحدود يطالب فيه باعتماد خريطة تضم المثلث لمصر أثناء مباحثات الترسيم مع الرياض، وتم تبرير ذلك بأنه جاء وفق "اتفاق مع السيسي لإنهاء نزاع دام لعقود".
تأتي هذه الخطوة، إن صحت، في سياق مفاوضات سعودية سودانية لترسيم الحدود البحرية في البحر الأحمر، ويبدو أن مصر اشترطت لضمان مصالحها عدم إثارة قضية حلايب ضمن تلك المفاوضات، فتحقق لها ما أرادت عبر هذا الاعتراف السوداني، كما أنها تأتي بينما يخوض السودان نزاعًا داخليًا (بين الجيش وقوات الدعم السريع) ربما دفع البرهان لتعزيز تحالفه مع مصر بأي ثمن.
البعد التاريخي والقانوني للنزاع
- ظلت السودان تطالب بحلايب طوال الفترة ما بعد الاستقلال (1956)، ففي 1958 تقدم السودان بشكوى لمجلس الأمن بعد توغل مصري، ثم سحبها بعد تفاهم سياسي، وتجدد الخلاف مرارًا خصوصًا في التسعينيات حين رفضت مصر كل الدعوات السودانية للتحكيم الدولي، متمسكة بأن "حلايب مصرية" ولا تفاوض على السيادة، بالمقابل، اعتبر السودان المنطقة "محتلة"، مطالبا بتحكيم على غرار ما جرى في طابا بين مصر وإسرائيل.
- تاريخيًا، خشي كل طرف أن يكون التنازل عن حلايب مدخلًا لتنازلات أكبر، فمصر تعتبر الاعتراف بأي نزاع على أراضيها مساسًا بسلامة التراب الوطني، خاصة بعد إعادة سيناء كاملة، والسودان ترى حلايب رمزًا للسيادة ورفض "الهيمنة" المصرية، كما أن سيطرة مصر تعني تحكمًا بخط ساحلي إضافي وربما مياه اقتصادية غنية بالثروات.
هل حدث تحول فعلي؟
الاعتراف السوداني، إن تأكد، سيمثل تحولًا جذريًا، إذ يعني ذلك تخلي الخرطوم عن مطلب ظل أحد ثوابتها، لكن يجدر التذكير أن الحكومات السودانية السابقة رفضت بالمطلق أي حل ينتقص من سيادتها الإسمية على المثلث، لذلك، قد يواجه البرهان اعتراضات داخلية إن مضى بهذا الاتفاق دون إجماع وطني.
ردود الفعل والتبعات المحتملة
لم تُعلن القاهرة رسمياً شيئًا بعد، لكنها بلا شك تنظر بارتياح لأي خطوة تثبّت الوضع القائم، خاصة أن مسؤولا مصريا سابقا وصف التقرير بأنه "يعكس نضجًا في فهم الخرطوم للمصالح المشتركة"، فيما اكتفت الخارجية المصرية بالتأكيد أن العلاقات مع السودان "في أفضل حالاتها".
أما في السودان، فقد أثار التسريب ردود فعل متباينة؛ البعض رحب ممن يفضلون التقارب مع مصر والتخلص من نزاعات جانبية في ظل الأزمة الداخلية الكبرى، فيما وُجدت أصوات غاضبة خاصة في الأوساط المعارضة للبرهان، متهمين إياه بالتفريط في الأرض مقابل شرعية سياسية من القاهرة.
ويُعتقد أن السعودية لعبت دور الوسيط في تشجيع هذا التفاهم، كونها تريد إنجاح مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع البلدين لتطوير مشاريع البحر الأحمر، فنجاح الاتفاق المصري السوداني سيعني بيئة أكثر استقرارًا للاستثمارات الساحلية التي تخطط لها الرياض في المنطقة.