نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى.. هل فقد رئيس وزراء إسرائيل اتصاله بالواقع؟

أثار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عاصفة من الجدل بعد تصريحات غير اعتيادية أكد فيها أنه في "مهمة تاريخية وروحية"، وأنه مرتبط بشدة برؤية "إسرائيل الكبرى"، هذه التصريحات خلال جاءت في مقابلة مع قناة i24 الإسرائيلية، حيث لم يتردد نتنياهو في المجاهرة بأنه يشعر بأنه مكلف "بمهمة من الأجيال لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى".
وفي أثناء المقابلة، تلقى نتنياهو هدية من المذيع تمثلت في خريطة للحدود التوراتية لما يسمى أرض إسرائيل، وهي حدود تتجاوز حدود دولة إسرائيل الحالية لتضم مناطق من الضفة الغربية، وأجزاء من الأردن ومصر، كلام نتنياهو صدم الكثيرين، حتى داخل إسرائيل، ودفع معارضيه لوصفه بأنه "يعيش في كوكب آخر"، فهل يعكس هذا التصريح تحولاً أيديولوجيًا جديدًا لدى نتنياهو، أم أنه كان دائمًا يؤمن به وكشف القناع الآن فقط؟
ماذا الذي قاله نتنياهو بالضبط؟
في المقابلة التي بُثت بتاريخ 12 أغسطس/آب 2025، سأل المذيع (وهو سياسي يميني سابق) نتنياهو إن كان يؤمن شخصيًا برؤية إسرائيل الكبرى، فجاء الرد قاطعًا: "بكل تأكيد، أشعر بارتباط شديد بهذه الرؤية"، مضيفا "إذا سألتني إن كنت أشعر أنني في مهمة تاريخية وروحية نيابة عن الشعب اليهودي، فالإجابة نعم".
نتنياهو والمزاوجة بين الدين والقومية
تصريحات نتنياهو الأخيرة كشفت عن البعد العقائدي الديني في فكره السياسي، وهو أمر كان يخفيه خلف قناع البراغماتية طويلًا، حديث نتنياهو عن "مهمة روحية"، يعني أنه يرى دوره السياسي مصبوبًا في قالب ديني وليس مجرد إدارة دولة، وهذا أمر نادر من زعيم علماني ظاهريًا، لكنه ينسجم مع تحالفاته الأخيرة مع الأحزاب الدينية المتطرفة التي تدفع تجاه سياسات الضم والاستيطان بدوافع عقدية.
كما أشار نتنياهو ضمنًا إلى أن رؤيته مستمدة من زيئيف جابوتنسكي (مُنظّر اليمين الصهيوني وأحد مؤسسي فكر حزب ليكود) الذي كان يتحدث عن إسرائيل على ضفتي نهر الأردن، وهنا تأكيد أن نتنياهو يواصل نهج حزبه الأيديولوجي القائم على عدم التخلي عن "يهودا والسامرة" (أي الضفة الغربية).
خطورة التصريح سياسيًا
داخليًا، رحبت قاعدة نتنياهو اليمينية بهذه التصريحات لأنها تضفي بُعدًا ملحميًا على قيادته، وقال أحد حلفائه "بيبي ليس مجرد رئيس حكومة، إنه نبي تحقيق النبوءة التوراتية"، لكن معارضيه جنّ جنونهم؛ فزعيم المعارضة يائير لبيد ردّ ساخرًا "إذا كان نتنياهو يعتبر نفسه مبعوثًا إلهيًا، فهذه مسألة صحية خطيرة قبل أن تكون سياسية"، في إشارة إلى شكوك حول السلامة العقلية أو تعاظم جنون العظمة لدى نتنياهو.
على الأرض.. هل يتصرف نتنياهو وفق هذه الرؤية؟
تصريحات نتنياهو ليست مجرد كلمات؛ يمكن رؤية انعكاساتها في سياساته:
- التوسع الاستيطاني؛ حكومة نتنياهو الحالية هي الأكثر دعمًا للمستوطنين، إذ تمت الموافقة على آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في الضفة الغربية خلال عام 2025 بوتيرة غير مسبوقة، في تحدٍ للموقف الدولي، وهذا ينسجم مع رؤية "إسرائيل الكبرى" التي تعتبر الضفة قلبًا تاريخيًا لإسرائيل يجب السيطرة عليه بالكامل.
- رفض حل الدولتين؛ نتنياهو قضى عمليًا على آمال حل الدولتين عبر فرض أمر واقع استيطاني، كما أنه سن قانونًا في الكنيست يعتبر الانسحاب من أي أرض محتلة استفتاءً شعبيًا إلزاميًا، مما يجعل التنازل عن أراضٍ للفلسطينيين شبه مستحيل قانونيًا.
- خطاب ديني متزايد؛ منذ حرب غزة الأخيرة، بدأ نتنياهو يستخدم مصطلحات دينية مثل "حرب أبناء النور ضد أبناء الظلام"، مما يدل على تأثر خطابه بالتحالف مع الصهيونية الدينية، ورؤية "إسرائيل الكبرى" هي بالأساس طرح ديني تلمودي، وتسريب هكذا تعابير في خطاب رئيس الوزراء يؤكد أنه يتبناها.
انعكاسات خطيرة على الواقع الإقليمي
نسف جهود السلام؛ دول العالم التي ما زالت تتحدث عن مفاوضات سلام وحل نهائي أصابها الإحباط من هذه التصريحات، فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اعتبرا الكلام "مدمرًا لعملية السلام"، إذ كيف يمكن إحياء مفاوضات مع زعيم يؤمن أن كل الأرض له بموجب وعد إلهي؟
الأردن في دائرة الخطر؛ رؤية إسرائيل الكبرى تشمل ضمنيًا فكرة أن الأردن هو "فلسطين البديلة"، أو جزء من الوطن القومي اليهودي حسب المتطرفين.
تصعيد مع الفلسطينيين؛ بالنسبة للفلسطينيين، تصريح نتنياهو مجرد اعتراف علني بنيته ضم الضفة ودفن دولتهم المنشودة، هذا سيدفع حتى المعتدلين منهم لفقدان الأمل بالتسوية، فمنظمة التحرير علّقت بأن نتنياهو "يعيد مشروع الاستعمار للقرن الـ21".
نتنياهو... بين الحلم والواقع
قد يكون بنيامين نتنياهو في أوج قوته داخليًا، مع ائتلاف يميني متين ودعم شعبي من قواعد المتدينين والقوميين، وربما يرى نفسه فعلًا كملك يهودي حديث يحقق نبوءات الكتاب المقدس، لكن المنتقدين يقولون إن مثل هذا التصور هو انفصال خطير عن الواقع، فإسرائيل اليوم تواجه تحديات أمنية واقتصادية جمة، ومحيطًا إقليميًا معاديًا، ولا يمكنها ضم أراضٍ شاسعة بدون انفجار شامل. فهل نتنياهو مدرك لتوازن القوى أم أنه فعلاً يعيش في كوكب آخر تغذيه أوهام "الرسالة الإلهية"؟