الذهب يلمع في زمن الأزمات.. من يملك أكبر احتياطي ذهب في العالم؟

في أوقات التوترات الجيوسياسية والاقتصادية ترتفع أسعار الذهب، وتتهافت عليه البنوك المركزية كـملاذ آمن، ومع اشتعال عدة أزمات عالمية في السنوات الأخيرة، عاد الذهب ليتربع على عرش الاستثمارات الآمنة، فزادت مشتريات الدول منه بوتيرة قياسية، لكن هل تعلم من هي الدول التي تملك أعلى احتياطيات من الذهب في العالم؟ ولماذا يحرصون على تكديسه، وكيف يؤثر ذلك على الاقتصاد العالمي؟
الذهب سلاح لامع
حافظ الذهب على قيمته عبر آلاف السنين، في ظل التقلبات (حروب، تضخم، انهيار عملات) وبقي أصلًا ملموسًا ذا قيمة جوهرية، لذا تزيد الدول حيازته كتحوط مالي، وبعد جائحة كورونا، ثم حرب أوكرانيا، والتوترات في الشرق الأوسط، شهدنا إقبالًا هائلًا من البنوك المركزية على شراء الذهب.
تحتفظ بعض الدول باحتياطي ذهب كبير لتعزيز ثقة الأسواق بعملتها، فعندما يمتلك بنك مركزي ذهب وفير، يستطيع طمأنة المستثمرين بقدرته على دعم عملته أو سداد ديونه.
وعادة ما تكون الاحتياطيات الدولية للدول مزيجًا من الدولار الأميركي، اليورو، سندات الخزانة، لكن زيادة نسبة الذهب في الاحتياطي تشكل توازنا مع أي مخاطر مرتبطة بالعملات الورقية (كهبوط قيمة الدولار مثلًا)، ويبلغ حاليًا المتوسط العالمي لحصة الذهب من احتياطيات الدول حوالي 13%.
أكبر 10 دول امتلاكًا للذهب
وفق أحدث بيانات مجلس الذهب العالمي لعام 2025، تتصدر القائمة الدول الآتية:
- الولايات المتحدة الأمريكية باحتياطي يبلغ حوالي 8133 طن، تتربع أمريكا بفارق ضخم، إذ لديها قرابة 8,133 طن من الذهب، أكثر من 75% من احتياطياتها الدولية، معظم هذا الذهب مخزن في قلعة فورت نوكس الشهيرة، ومواضع أخرى، ويعود تراكمه لحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية حين جمعت الولايات المتحدة ذهب العالم عبر "اتفاقية بريتون وودز".
- ألمانيا باحتياطي 3350 طن، ثاني أكبر مالك للذهب، وكوّنت احتياطياتها خلال ازدهارها الاقتصادي بعد الحرب، تحتفظ بجزء كبير منه في نيويورك ولندن.
- إيطاليا باحتياطي 2452 طن، فرغم أزماتها الاقتصادية، تحتفظ إيطاليا بواحد من أضخم احتياطيات الذهب (تشكل نحو 70% من احتياطياتها الكلية)، ويرى المصرف المركزي الإيطالي الذهب "عامل ثقة" لاقتصاده.
- فرنسا باحتياطي 2436 طن، جمعت فرنسا ذهبًا ضخمًا في حقبة ديغول الذي كان من دعاة ربط الدولار بالذهب، ولا تزال باريس تُبقي على هذا المخزون الاستراتيجي.
- روسيا باحتياطي 2300 طن، حيث ضاعفت روسيا احتياطياتها في العقد الأخير بشكل هائل، فقط كانت تبلغ 450 طن فقط عام 2007، جاءت هذه السياسة ضمن جهود "إزالة الاعتماد عن الدولار"، واليوم يشكل الذهب نحو 23% من احتياطي روسيا.
- الصين باحتياطي 2113 طن (على الأقل)، كذلك رفعت الصين حيازاتها الرسمية بسرعة، لكن يُعتقد أن الرقم الفعلي أعلى بكثير، لأن الصين تشتري عبر بنوك الدولة سرًا دون إعلان كل شيء، وتعتبر بكين الذهب جزءًا من خطتها لمنافسة هيمنة الدولار.
- سويسرا باحتياطي 1040 طن: تحتفظ سويسرا بذهبها كجزء من تقاليده المصرفية الصلبة، ونصيب الفرد من الذهب في سويسرا هو الأعلى عالميًا نظرًا لقلة سكانها، إذ يُقدر بحوالي 130 غرام ذهب لكل سويسري.
- اليابان باحتياطي 846 طن: تملك اليابان هذا الاحتياطي وتستخدمه أحيانًا للتدخل في سوق النقد، في عام 2021 باعت جزءًا صغيرًا لدعم الميزانية خلال جائحة كورونا، في حالة نادرة لاستعمال الذهب داخليًا.
- الهند باحتياطي 797 طن: رغم أنها أكبر مستهلك أهلي للذهب، إلا أن احتياطي بنك الهند المركزي يقترب من 800 طن فقط، لكنه زاد بوتيرة واضحة مؤخرًا مع سعي نيودلهي للتنويع.
- هولندا باحتياطي 612 طن: تحتفظ هولندا بمئات الأطنان.
مؤسسات تنافس الدول
يمتلك صندوق النقد الدولي 2814 طن من الذهب، والبنك المركزي الأوروبي لديه أيضا 504 طن، ولو اعتبرنا صندوق النقد دولة لاحتل المرتبة الثالثة عالميًا!
سباق على شراء الذهب
في عامي 2022 و2023 وصلت مشتريات البنوك المركزية العالمية من الذهب لمستويات قياسية هي الأعلى منذ 50 عامًا، وكان أبرز المشترين: تركيا ومصر والهند والصين وروسيا ودول الخليج.
الذهب طوق نجاة للتخلي عن الدولار
يفسر الخبراء توجه الدول لزيادة تملكها للذهب رغبة في التخلي قليلاً عن الاعتماد المفرط على الدولار الأمريكي، بعد أن شهدوا تجميد احتياطيات روسيا الدولارية بسبب العقوبات، فالذهب ملاذ آمن لا يمكن لطرف خارجي تجميده، أو السيطرة عليه، مما يعطي الدول إحساسًا بالسيادة المالية.
تكديس الذهب.. استقرار أم مخاطرة؟
يعزز الذهب استقرار احتياطيات الدول ويزيد الثقة، لكنه من جهة أخرى أصل خامل لا يدر فائدة أو عوائد استثمارية، لذا يعتبر الإفراط في تخزين الذهب دون تنويع وسيلة لتفويت فرص استثمار.
وكلما يزيد الطلب من البنوك المركزية، ترتفع أسعار الذهب عالميًا، حيث بلغت مؤخرًا مستويات فوق 2000 دولار للأوقية في ذروة الأزمات، هذا قد يفيد من يملك الذهب مسبقًا ولكنه يزيد تكلفة شرائه للآخرين.
كما أن استمرار الدول في تحويل جزء من احتياطياتها إلى ذهب يساهم تدريجيًا في إضعاف هيمنة الدولار عالميًا على المدى البعيد، ولكن هذا التحول بطيء وقد يخلق نظامًا ماليًا أكثر تنوعًا وأمانًا في مواجهة تقلبات العملة.