" سوريا الجديدة".. فلول القاعدة تسعى لاختراق الحكومة

حذّر البنتاغون في تقرير استخباراتي حديث من أن فلول تنظيم القاعدة في سوريا تحاول استغلال المرحلة الانتقالية الحالية للتسلل إلى الحكومة السورية الجديدة بحثًا عن نفوذ، فبعد سنوات من قتال التنظيمات الجهادية وهزيمتها عسكريًا، يبدو أن بقاياها تسعى لتغيير التكتيك، من ساحة المعركة إلى ساحات السياسة، هذا التحذير يثير مخاوف من عودة شبح القاعدة تحت مسميات جديدة في سوريا ما بعد الحرب، فكيف يحاولون تحقيق ذلك؟ ولماذا الآن؟ وماذا تحتوي الحكومة السورية "الجديدة" أصلاً؟
المشهد السوري الجديد
في ضوء تسوية برعاية دولية، تشكلت حديثًا في دمشق حكومة وحدة وطنية تضم ممثلين عن النظام والمعارضة المعتدلة وبعض الفصائل المحلية، سُميت إعلاميًا "الحكومة السورية الجديدة"، هذه الحكومة منفتحة على ضم كفاءات تكنوقراط وحتى عناصر كانت من المعارضة المسلحة سابقًا إن نبذت التطرف.
بالتزامن أعلنت عدة فصائل جهادية صغيرة حل نفسها ظاهريًا بعد خسائرها، منها تنظيم حراس الدين، وهو فرع متشدد انشق عن هيئة تحرير الشام وبايع القاعدة، والذي أعلن حله في يناير 2025، لكن الاستخبارات الأمريكية تشك بأن الحل كان شكليًا وبأن كوادر حراس الدين وغيرها ما زالوا نشطين سرًا.
خطة القاعدة الجديدة.. التسلل الناعم
وفقا لتقرير وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية (DIA)، يحاول عناصر سابقون من القاعدة الاندماج في كيانات سياسية محلية، أو منظمات مجتمع مدني ليدخلوا العملية السياسية من الباب الخلفي، فبعضهم تسلل إلى المجالس المحلية ببعض المناطق المحررة سابقًا، ويريدون الآن تمثيل مناطقهم في مجلس النواب أو الإدارة المحلية ضمن الحكومة الجديدة.
تخلص الكثير من هؤلاء من الهوية الجهادية التقليدية، وحلقوا لحاهم، وتبنوا أسماء مستعارة، وجددوا سِيَرهم الذاتية، مراهنين على غياب قاعدة بيانات موحدة لحصرهم.
فيما يتبع آخرون تكتيكا آخر وهو التحالف مع زعماء قبليين، أو شخصيات مقبولة للواجهة، فيما يكون العنصر الجهادي هو المستشار الخفي، أو الرجل الثاني المؤثر، وهذا يذكّر بما فعلته القاعدة في العراق سابقًا بالتغلغل عبر الصحوات والعشائر.
لماذا هذا التوقيت؟
مع تشكل الحكومة الجديدة، هناك محاصصة وتوزيع مناصب بين مكونات متعددة، الأمر الذي خلق ثغرات يمكن أن ينفذ منها ذوو الماضي المشبوه بدعوى أنهم يمثلون فئات معينة، كما أن انشغال الأطراف الأساسية بتثبيت الوضع يجعل تدقيق خلفيات كل الشخصيات أمرًا صعبًا.
وفي بعض المناطق التي عانت حربًا طاحنة، قد ينظر الأهالي للعناصر الجهادية العائدة بأنهم "أبناء البلد" بغض النظر عن فكرهم، خاصة إذا كانوا ممن حارب النظام سابقًا، ويسهل هذا التعاطف قبولهم محليًا ولو تسللوا بدون إظهار التشدد.
دلائل التحذير الأمريكي
نشر تقرير حصري عن هذا التحذير نقلاً عن مصادر في وكالة استخبارات الدفاع، في لموقع Al-Monitor، وجاء فيه أن عناصر حراس الدين رغم إعلان حلها لا تزال نشطة، وتتواصل فيما بينها للتأثير في تشكيلات الحكم المحلية.
وقال مسؤول استخباراتي أمريكي "نعلم أن الإرهابيين غيروا التكتيكات، شارحا أنهم سيحاولون دخول مؤسسات الحكم خلسة لبث أيديولوجيتهم من الداخل"، ومذكرا أن نحو 150 عنصرًا مرتبطين بالقاعدة موجودون في إدلب وشمال حلب حاليًا وقد تسلل بعضهم بالفعل لمنظمات إغاثية محلية.
ولمحت واشنطن أن تراخي روسيا والحكومة السورية في التدقيق بدمج المسلحين السابقين منح القاعدة فرصة، إذ تركز موسكو على ضمان ولاء المسؤولين الجدد لها أكثر من ماضيهم الفكري.
الرد السوري والروسي
نفت دمشق وجود أي عناصر "إرهابية" في مؤسساتها، معتبرة التحذيرات مجرد دعاية أمريكية لتبرير بقاء قواتها في الشرق السوري، وقال مصدر حكومي "من قاتل الإرهاب لسنوات لن يسمح بعودته من النافذة"، مؤكدًا أن أجهزة الأمن تراقب عن كثب أي مشتبه فيهم.
لم تعلق موسكو رسميًا على هذه التحذيرات، لكنها بالتأكيد لا تريد رؤية عناصر من القاعدة في الحكومة التي دعمتها، ربما لا تملك تفاصيل كافية، لذا قد تتعاون استخباراتيًا مع تركيا وأمريكا خلف الكواليس لضبط هؤلاء قبل حصولهم على مناصب فعلية.
السيناريوهات المحتملة
قد تتمكن الاستخبارات السورية بمساعدة دولية من كشف معظم المتسللين قبل ترسيخ أقدامهم في أماكن متقدمة، فقد تم تداول أنباء عن اعتقال بعض الشخصيات في ريف إدلب بعد معلومات أمريكية أنهم مرتبطون بالقاعدة.
أما السيناريو الأخطر هو نجاح عدد ضئيل من فلول القاعدة في الحصول على مواقع محلية، كعضوية مجالس محلية، أو لجان إعادة إعمار، حينها قد يستغلون نفوذهم لتمرير أفكارهم أو حماية رفاقهم سرًا، لكنهم سيكونون تحت مجهر المخابرات، وأي تحرك مريب سيؤدي لاعتقالهم سريعًا.
ثالث السيناريوهات يتمثل بتعاون دولي مشترك، يكون بموجبه هذا الملف من النقاط النادرة التي تتفق عليها واشنطن وموسكو وأنقرة ودمشق، فلا أحد يريد عودة القاعدة، لذا من الممكن أن نشهد تنسيقًا أمنيًا خفيًا بين هذه الأطراف لسد الطريق أمام أي اختراق.