واشنطن تحت حكم الجيش والأهالي غاضبون، ما القصة؟

استفاق سكان واشنطن العاصمة على مشهد غير معتاد؛ عربات عسكرية، وجنود مدججون بالسلاح يجوبون الشوارع تنفيذًا لإعلان الرئيس دونالد ترامب وضع المدينة تحت إمرة الجيش، فبموجب قرار ترامب المثير للجدل، تولت قوات الحرس الوطني، والشرطة الفيدرالية السيطرة الأمنية على واشنطن، بذريعة تحريرها من الجريمة والفوضى، لكن سكان العاصمة لم يستقبلوا "جنود ترامب" بحفاوة، بل عبّر كثيرون عن انزعاجهم وخوفهم من هذا الانتشار العسكري الاستفزازي وسط أحيائهم المدنية الهادئة.
حملة ترامب لـ "تحرير واشنطن"
في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض، أعلن ترامب ما وصفه بأنه "إجراء تاريخي لإنقاذ عاصمتنا من الجريمة والدمار"، مشبها واشنطن بأنها "من أخطر مدن العالم"، كما وادّعى أن معدل القتل فيها يفوق بوغوتا ومكسيكو سيتي -رغم أن الإحصاءات تشير لانخفاض جرائم العنف لأدنى مستوى منذ 30 عاماً.
استند ترامب إلى بند قانوني يسمح للفدراليين بالسيطرة على شرطة العاصمة مدة 30 يوماً في ظروف خاصة، مفعّلا هذا البند للمرة الأولى تاريخياً، فحوّل شرطة متروبوليتان تحت إمرة وزارة العدل بقيادة المدعي العام، كارولين ليفيت، ونشر 800 عنصر من الحرس الوطني في مختلف أنحاء المدينة، وحرص ترامب على تصوير خطوته كـ "يوم تحرير لواشنطن"، قائلاً "هذه يوم تحرير العاصمة من عصابات عنيفة ومتسولين ومجانين"، وتوعد بأن يُسمح للشرطة "بفعل كل ما تريد" لفرض النظام، قائلاً عبارته الشهيرة "يبصقون على الشرطة؟ سنضربهم بقوة، فهذا ما يفهمونه".
استياء وخوف السكان
سكان واشنطن يرون أن شوارع مدينتهم تحولت إلى ما يشبه منطقة عسكرية، فانتشار الجنود المدججين بالسلاح في الأحياء المدنية استفز الأهالي بدل أن يطمئنهم، وحتى مسؤولو المدينة انتقدوا الإجراء؛ فقد وصفته ممثلة واشنطن في الكونغرس، إليانور هولمز نورتون، بأنه "اعتداء تاريخي على حُكم العاصمة الذاتي"، بينما اعتبره عمدة المدينة بالإنابة بأنها خطوة "مزاجية وغير مبررة".
وجاء في بيان لمجلس بلدية العاصمة أن وجود الجنود بأسلحتهم الثقيلة "يستفز السكان ويجعلهم يشعرون بانعدام الأمان" بدلاً من العكس، وعلى وسائل التواصل، انتشر وسم #واشنطن_ليست_ثكنة تنديداً بـ "استعراض القوة" الذي يقوم به ترامب في مدينة صوتت ضده بأغلبية ساحقة.
مبررات الإدارة وردود المسؤولين
دافع البيت الأبيض عن الخطوة معتبراً أن معدلات الجريمة المرتفعة ومشاهد الخيام التي نصبها المشردون في شوارع العاصمة تبرر التدخل الفيدرالي القوي، وقد نشر ترامب نفسه عبر منصة "Truth Social" صوراً لمخيمات مشردين قرب طريق موكبه الرئاسي معلقا "يجب أن يرحلوا فوراً، سنوفر لهم أماكن بعيدة عن العاصمة"، من جهتها، قالت وزيرة الأمن الداخلي المؤقتة إن "أمن العاصمة القومي خط أحمر، والرئيس لن يتهاون مع الفوضى"، متهمةً السلطات المحلية بالتساهل.
لكن معارضي ترامب ذكّروا أنه عندما اقتحم أنصاره مبنى الكابيتول في 2021، تأخر في استدعاء الحرس الوطني، أما الآن فيستخدم القوات "لأغراض سياسية"، فحسب وصف زعيم الديمقراطيين فالأمر "ألعاب سياسية أخرى يستخدم فيها ترامب العسكريين ورجال الأمن، فهو لا يكترث فعلياً لأمن سكان واشنطن".
حياة يومية تحت أحكام عرفية
في الأسبوع الأول من فرض السيطرة الفيدرالية، تغيرت تفاصيل الحياة اليومية في واشنطن، فُرض حظر تجوال غير رسمي بعد الغروب؛ إذ تقوم دوريات مشتركة من الحرس الوطني والشرطة الفيدرالية بإخلاء الشوارع من أي تجمعات وفضّ أي احتجاج، فبعض سكان الأحياء ذكروا أن الجنود منعوهم من التجول في منتزهاتهم المعتادة مساءً بحجة "دواع أمنية".
شاعت قصص عن مصادرة مقتنيات مشردين وإبعادهم قسراً خارج المدينة، ما أثار انتقادات جمعيات حقوقية، وحسب رأي إحدى الناشطات "بدلاً من حلول إنسانية لأزمة المشردين، اختار ترامب حلها بالبندقية والتهجير"، كذلك أغلقت بعض المحال التجارية أبوابها مبكراً بسبب تراجع الزبائن وشعور الناس.
يضع ترامب واشنطن "تحت الحكم العسكري" لثاني أسبوع، ويبدو السكان منقسمين بين قلة ترحّب بالحملة ضد الجريمة، وغالبية ترفض تحويل مدينتهم إلى ثكنة، هذا الوضع الاستثنائي أثار مجدداً قضية انعدام تمثيل واشنطن الكاملة وغياب حق التصويت لأهلها في الكونغرس، إذ يُفرض عليهم الآن إجراء أمني ضخم دون صوت لهم؛ فهل ينجح ترامب في تحقيق وعوده بجعل العاصمة "أكثر أماناً" أم أن خطوته ستُذكر كفصل آخر من فصول تجاذب سياسي على حساب سكان مسالمين؟