اتفاق تجاري تاريخي بين إندونيسيا والاتحاد الأوروبي
بعد تسع سنوات من المفاوضات، اتفاق الشراكة الشاملة يخفّض الرسوم الجمركية على 98% من السلع ويعد بفرص اقتصادية جديدة.

ملخص :
- توقيع اتفاق شراكة شاملة في سبتمبر 2025
- المفاوضات استمرت 9 سنوات و19 جولة
- الاتفاق يزيل الرسوم عن 98% من السلع
- يغطي بلدًا يمثل 42% من سكان آسيان
- قد يزيد الناتج المحلي لإندونيسيا 5 مليارات يورو
شهد الأسبوع الأخير من سبتمبر 2025 توقيع إندونيسيا والاتحاد الأوروبي اتفاق الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA)، وهو اتفاق تجاري طال انتظاره يهدف إلى تعزيز التبادل التجاري والاستثماري بين الجانبين. الاتفاق الذي تم تحديد موعد توقيعه بعد تسع سنوات من المفاوضات و19 جولة من النقاشات الشاقة، يأتي في توقيت سياسي حساس تزامن مع ضغوط تجارية من الولايات المتحدة والصين.
يمثل الاتفاق خطوة استراتيجية لكلا الطرفين؛ إذ يفتح أمام الشركات الأوروبية سوقًا ضخمًا يضم أكثر من 270 مليون نسمة، بينما يتيح لإندونيسيا وصولًا أفضل إلى التكنولوجيا والاستثمارات الأوروبية. كما يشير إلى رغبة الاتحاد الأوروبي في تعزيز حضوره في جنوب شرق آسيا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد.
تاريخ طويل من المفاوضات والتوترات
بدأت مفاوضات CEPA في عام 2016 لكنها تعثرت بسبب نزاعات حول الرسوم الجمركية على المنتجات الزراعية وقضايا الاستدامة البيئية. خلال السنوات التسع، واجه الطرفان قضيتين أمام منظمة التجارة العالمية، إحداهما تتعلق بحظر تصدير النيكل الإندونيسي والأخرى بدعم الاتحاد الأوروبي لوقود الديزل الحيوي.
السياسات الحمائية، خاصة في ما يتعلق بزيت النخيل، كانت حجر عثرة كبيرًا. تعتبر إندونيسيا أكبر منتج لزيت النخيل في العالم، وهي حساسة تجاه المعايير البيئية الأوروبية التي تراها تمييزية. كما واجهت الاتحاد الأوروبي انتقادات من جماعات حقوقية بسبب متطلبات العمل والشفافية.
في النهاية، أدى ضغط السوق والحاجة إلى مواجهة المنافسة الصينية إلى تسريع التوصل لاتفاق. الرئيسة الأوروبية أورسولا فون دير لاين وصفت الاتفاق بأنه "مسار نحو الانفتاح والشراكة والازدهار"، مؤكدة أن الاتفاق ليس نهاية بل بداية رحلة تعاون طويلة الأجل.
أرقام طموحة وفوائد اقتصادية
يتضمن الاتفاق إزالة الرسوم الجمركية عن 98% من السلع المتبادلة بين الطرفين، وهو نطاق يتجاوز أغلب اتفاقيات الاتحاد الأوروبي مع الأسواق الناشئة. سيتم إلغاء الرسوم على 80% من البضائع فور سريان الاتفاق، فيما سيتم خفض الباقي تدريجيًا خلال خمس سنوات.
يغطي الاتفاق بلدًا يمثل 42% من سكان رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، ويشهد نموًا اقتصاديًا بنسبة 4.8% في 2025. تتوقع الدراسات الاقتصادية أن يسهم الاتفاق في زيادة الناتج المحلي الإجمالي لإندونيسيا بأكثر من 5 مليارات يورو، مع احتمال ارتفاع الصادرات بنسبة تصل إلى 50%.
القطاعات المستفيدة تشمل الملابس والأحذية والأسماك بالنسبة لإندونيسيا، بينما ستستفيد الشركات الأوروبية في قطاعات الآلات والمواد الكيميائية والسيارات. الاتفاق يسهّل أيضًا الاستثمارات في البنية التحتية والصناعات التحويلية، خاصة في مجالات المعادن والبطاريات الكهربائية، حيث تمتلك إندونيسيا أكبر احتياطي من النيكل والكوبالت والبوكسيت.
تحديات الاستدامة قبل التنفيذ
رغم التوقيع، يواجه الاتفاق تحديات كبيرة. يجب أن يصادق عليه البرلمان الإندونيسي والبرلمانات الأوروبية، وهناك احتمال أن تعرقله جماعات الضغط الزراعية أو البيئية. المعركة حول زيت النخيل قد تستمر رغم التعهدات بالالتزام بالمعايير البيئية الأوروبية. كما تعترض بعض الشركات الإندونيسية على فتح السوق أمام المنافسة الأوروبية، معتبرة أن ذلك يهدد الصناعات المحلية.
من الناحية السياسية، يخشى البعض في جاكرتا من أن الاتفاق قد يقيد السياسات الصناعية الوطنية أو يعرّضها لتقلبات النزاعات التجارية. ومع ذلك، يرى مؤيدو الاتفاق أنه يوفر منصة لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على السوق الصينية.
التنفيذ الناجح يتطلب إنشاء آليات لمراقبة الالتزام بالمعايير البيئية وحقوق العمال، وضمان توزيع فوائد الاتفاق على جميع الفئات. كما ينبغي معالجة المخاوف المرتبطة بتأثير الاتفاق على صغار المزارعين، خاصة في قطاع زيت النخيل.
يحمل الاتفاق التجاري بين إندونيسيا والاتحاد الأوروبي إمكانات هائلة لإعادة رسم خريطة العلاقات الاقتصادية بين جنوب شرق آسيا وأوروبا. بالنسبة للشباب العربي، قد يبدو هذا الاتفاق بعيدًا، لكنه يرمز إلى قوة التعاون الدولي في تحقيق التنمية وخلق فرص عمل جديدة. هل تعتقد أن مثل هذه الاتفاقيات يمكن أن تساعد في بناء اقتصاد عالمي أكثر عدلاً واستدامة؟