توماس فريدمان: رأيتُ المستقبل… لكنه ليس في أميركا

في مقال لافت، عبّر الكاتب الشهير توماس فريدمان عن صدمته بعد زيارة كوريا الجنوبية، مؤكدًا أن "المستقبل يُصنع هناك، لا في الولايات المتحدة". رؤيته تسلط الضوء على تراجع أميركا في الابتكار والتعليم، مقابل نهضة آسيوية تكنولوجية وتنموية ترسم ملامح القرن القادم.
"رأيتُ المستقبل لتوّي… لكنه لم يكن في وطني" — بهذه الكلمات المدهشة افتتح الكاتب الأميركي توماس فريدمان مقاله الأخير في "نيويورك تايمز"، ليأخذنا في رحلة فكرية تبدأ من سيول، العاصمة الكورية الجنوبية، وتنتهي في نقد حاد للولايات المتحدة التي تبدو وكأنها تفقد موقعها الريادي عالميًا.
في زمن يسير بسرعة الضوء، وبينما تركّز أميركا على صراعاتها السياسية الداخلية، تشهد آسيا سباقًا نحو المستقبل، يقوده الذكاء الاصطناعي، التعليم عالي الجودة، والبنية التحتية الرقمية التي لم تعد حلمًا، بل واقعًا يوميًا.
🌆 من سيول إلى الدهشة
خلال زيارته لكوريا الجنوبية، صُدم فريدمان بمستوى التقدم التكنولوجي والتنظيم الحضري. من شبكة الإنترنت السريعة بشكل مذهل، إلى الروبوتات التي تُدير المقاهي والمكتبات، وصولًا إلى شباب مهووسين بالبحث العلمي والتعليم بدلًا من تيك توك والترندات السطحية.
قال فريدمان:
"الطلاب هناك يتعلمون البرمجة والروبوتات قبل أن يتقنوا لغتهم الأم… في حين ما زال طلابنا يناقشون حظر الكتب ويدخلون في صراعات سياسية داخل المدارس".
📉 أميركا تتراجع؟
النقد الذي وجهه فريدمان إلى بلاده لم يكن عابرًا. من وجهة نظره، تعاني الولايات المتحدة من "تآكل داخلي" يطال المؤسسات التعليمية، البنية التحتية، وحتى القيم الاجتماعية. وذكر أن التعليم العام الأميركي في حالة "تراجع مقلق"، وأن الاستثمار في الأبحاث يقل، في حين تُهدر المليارات على الحملات الانتخابية والإعلام الحزبي المنقسم.
وأضاف:
"بينما تحارب كوريا والصين من أجل مستقبل أطفالهم، نحارب نحن من أجل تريند على تويتر".
🤖 آسيا تقود الثورة الصناعية الجديدة
ليس من المفاجئ أن تُبهر كوريا الجنوبية زائرًا مثل فريدمان. فهي دولة تتصدر العالم في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، التعليم الرقمي، وتقنيات الجيل السادس 6G. وبحسب بيانات حديثة، تُعد كوريا من الدول الأعلى في ناتج البحث العلمي مقارنة بعدد السكان.
أما الصين، فتتحول إلى "مختبر مفتوح" للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي، حيث تعمل الشركات الكبرى مثل Alibaba وHuawei على مشاريع تفوق الخيال، كمدن ذكية بالكامل تعتمد على الروبوتات وتحليل البيانات.
هذا التقدم لا يعني فقط تطورًا اقتصاديًا، بل تحولًا في موازين القوة العالمية.
🔍 الشباب العربي أين من كل هذا؟
بالنسبة لجيل الشباب في الشرق الأوسط، ما قاله فريدمان يحمل تحذيرًا وفرصة في الوقت نفسه.
فالتحذير هو أن العالم لا ينتظر أحدًا. الدول التي لا تستثمر في التعليم والتقنية الآن، ستصبح خارج الخريطة بعد عقد من الزمن. أما الفرصة، فهي في إمكانية "القفز الذكي" نحو المستقبل، عبر تبني التكنولوجيا والتعليم الحديث، دون المرور بكل مراحل النمو التقليدي.
مبادرات مثل "التحول الرقمي" في السعودية، "مصر الرقمية"، و"برنامج الذكاء الاصطناعي" في الإمارات، تُظهر أن بعض الدول بدأت بالفعل استيعاب اللحظة. لكن الطريق لا يزال طويلاً، ويتطلب إرادة سياسية حقيقية واستثمارًا في الإنسان قبل الحجر.
🧠 مقارنة بين نهجين
المؤشر | كوريا/الصين | الولايات المتحدة |
---|---|---|
تركيز التعليم | STEM والذكاء الاصطناعي | جدل سياسي حول المناهج |
الإنترنت | سرعات تصل لـ 1 جيجابت/ثانية | بطء وتفاوت بين الولايات |
دعم الابتكار | تمويل حكومي واسع للشركات الناشئة | اعتماد على القطاع الخاص فقط |
البنية التحتية الرقمية | مدمجة في التعليم والصحة والمواصلات | بنية قديمة ومتأخرة في التطوير |
🌍 هل المستقبل في الشرق؟
بالنظر إلى الواقع، يبدو أن "المستقبل" الذي تحدّث عنه فريدمان لم يعد حكرًا على وادي السيليكون، بل أصبح له عناوين جديدة: سيول، شينزن، سنغافورة، دبي… وهي مدن تمضي بسرعة لبناء عالم مختلف، ذكي، متصل، ومستدام.
ولذلك، ما كتبه فريدمان ليس فقط انتقادًا لأميركا، بل دعوة مفتوحة لكل شاب وشابة بأن يسألوا:
هل نحن نجهز أنفسنا لهذا المستقبل؟ أم نعيش في الماضي بتقنيات قديمة وأحلام مؤجلة؟