مراقب جوي فرنسي رفع شعار "فلسطين حرّة".. فأوقفته السلطات

في واقعة أثارت جدلًا واسعًا في فرنسا، أوقفت السلطات مراقبًا جويًا في مطار "شارل ديغول" عن العمل بعد أن بث عبر اللاسلكي رسائل مؤيدة لفلسطين، وكان طيارو شركة "العال" الإسرائيلية قد فوجئوا برسالة غير اعتيادية عبر موجة التواصل مع برج المراقبة مفاده "فلسطين حرّة"، وسرعان ما أشعلت هذه الكلمات موجة من ردود الفعل؛ إذ اعتبرتها الشركة الإسرائيلية خرقًا خطيرًا للحيادية المهنية، وعلى إثر ذلك، أعلن وزير النقل الفرنسي، فيليب تابارو، تعليق المراقب عن العمل فورًا، وفتح تحقيق رسمي في الواقعة.
تفاصيل ما حدث في برج المراقبة
- خلال تواصل روتيني بين طائرة تابعة لشركة "العال"، وبرج مراقبة مطار شارل ديغول صباح الإثنين الماضي، تسلّم طاقم الطائرة رسالة صوتية من المراقب يقول فيها "Palestine Libre" أي "فلسطين حرّة"، حيث بدا الصوت واضحًا ومتعمدًا، ما أثار ارتباك الطيارين الذين أبلغوا إدارة الشركة فورًا.
- تمكنت السلطات سريعًا من تحديد هوية المراقب المخالف، وهو موظف فرنسي مسؤول عن حركة الملاحة الجوية في المطار، لم يُكشف عن اسمه علنًا، لكن تبين أنه بث الرسالة بدافع تعاطفه مع القضية الفلسطينية في ذروة التوترات الإقليمية الأخيرة.
- أعلن الوزير تابارو عبر منصة "إكس" (تويتر سابقًا) أنه "تم التعرف على المخالف وتعليق عمله بالكامل حتى إشعار آخر"، مضيفا أنه تم الشروع فورًا بإجراءات تأديبية بحقه نظرًا لانتهاكه قواعد الاتصالات اللاسلكية والإخلال بحيادية المرفق العام.
السياق والخلفيات المحتملة
تأتي هذه الواقعة على خلفية تصاعد التعاطف الشعبي في أوروبا مع الفلسطينيين بعد حرب الإبادة التي يخوضها جيش الاحتلال في غزة، وفي فرنسا تحديدًا، وقبل أيام فقط من الحادثة، قام مؤيدون للقضية الفلسطينية برش طلاء أحمر على واجهة مبنى يضم مكتب شركة الطيران الإسرائيلية "العال" في قلب باريس، في خطوة رمزية لتمثيل الدم الفلسطيني.
وربما كان إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون بتاريخ 25 يوليو أن فرنسا ستعترف رسميًا بدولة فلسطين خلال اجتماع الأمم المتحدة القادم، شجّع بعض المتعاطفين، ومنهم المراقب الموقوف، على التعبير عن دعمهم علنًا.
وبالرغم من التعاطف المتزايد، تذكّر هيئة الطيران المدني الفرنسية بأن قواعد الملاحة الجوية تمنع تمامًا أي رسائل أو مواقف سياسية خلال التواصل مع الطائرات، فبرج المراقبة يجب أن يظل محايدًا ومهنيًا لضمان سلامة الجميع.
ردود أفعال إسرائيلية وفرنسية
- أثارت الحادثة استياءً شديدًا في إسرائيل؛ إذ قدمت شركة "العال" شكوى رسمية طالبت فيها بضمانات لعدم تكرار مثل هذه الوقائع، كما تناقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية الخبر باستغراب، معتبرةً أن ما جرى "تسييس لأجواء المطارات بشكل غير مقبول"، فيما ذهب بعض المعلقين في إسرائيل إلى حد وصف المراقب بأنه "متعاطف مع الإرهاب"، ودعوا السلطات الفرنسية إلى معاقبته بأشد ما يمكن.
- سعت وزارة النقل الفرنسية إلى احتواء الموقف بسرعة، فإلى جانب تعليق عمل المراقب، أوضحت الوزارة عبر بيان نقلته وكالة فرانس برس أن ما فعله الموظف "انتهاك جسيم لقواعد استخدام الاتصالات اللاسلكية ويمكن أن يضر بصورة الخدمة العامة"، مؤكدة أن سلوكًا فرديًا كهذا لا يمثل قيم الحياد للجمهورية الفرنسية.
- فيما انقسم الرأي العام الفرنسي على مواقع التواصل، فالبعض رأى أن "للمراقب حق التعبير عن رأيه" وأن عبارته لم تؤثر فعليًا على سلامة الطيران، مستشهدين بحرية التعبير، بينما اعتبر آخرون تصرفه غير مسؤول، معتقدين أن "برج المراقبة ليس مكانًا للشعارات السياسية أيًا كانت عدالتها".
مستقبل المراقب الجوي
من الناحية الإجرائية، ينتظر المراقب تحقيقًا إداريًا، وربما محاكمة تأديبية، وبحسب خبراء قانونيين، قد يواجه عقوبات تصل إلى الفصل النهائي من الوظيفة إذا ثبت إخلاله الجسيم بشرط الحياد، كما قد يتعرض لفقدان رخصة مزاولة المهنة إن اعتُبر تصرفه تهديدًا لسلامة النقل الجوي.
في المقابل، منظمات حقوقية قد تدخل على الخط دفاعًا عن حق الموظف في التعبير، لكنها ستصطدم بحقيقة أن قوانين العمل في المرافق الحساسة تفرض قيودًا صارمة على مثل هذه التصرفات.