عامان على "طوفان الأقصى".. ماذا تغير؟

ملخص :
يمر السابع من أكتوبر، محملا بذكرى عامين على انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، لتتكشف حقائق على نحوٍ أكثر وضوحًا، فما تشهده غزة ليس مجرد ردٍّ دموي، بل تجسيدٌ لبنية فكرية، وسياسية عميقة في المشروع الاستيطاني الصهيوني، القائم على نفي الوجود الفلسطيني وسعيه الدائم إلى إبادته منذ النكبة عام 1948 مرورًا بمجازر دير ياسين، وكفر قاسم، وصبرا وشاتيلا، ووصولًا إلى مسيرات العودة عام 2018، وانتهاءً بالإبادة الممنهجة في غزة اليوم.
خلال 730 يوما من حرب الإبادة على غزة، تجاوز عدد الشهداء والجرحى 235 ألفًا، من بينهم عشرات الآلاف من الأطفال، بينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي تدمير القطاع بالكامل بلا تمييز، مستهدفًا المستشفيات والمدارس ودور العبادة.
مشروع توسّعي يهدد الإقليم والعالم
لم تعد إسرائيل تستهدف الفلسطينيين وحدهم، بل باتت تشكل خطرًا على أمن المنطقة واستقرارها، فبدعم أمريكي مباشر، تواصل تل أبيب مشروعها التوسّعي القائم على إعادة رسم خرائط المنطقة بالقوة، في إطار ما يسميه رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو "إسرائيل الكبرى"، معلنةً حربًا مفتوحة على السيادة الدولية، ومبادئ القانون الدولي.
السابع من أكتوبر.. لحظة قلبت الموازين
أعاد السابع من أكتوبر القضية الفلسطينية إلى مركز السياسة العالمية، وأسقط أسطورة التفوق الإسرائيلي، كاشفًا هشاشة منظومتيها الأمنية، والدعائية المعتمدتين على الخداع والتضليل، فاضحا ازدواجية المعايير الغربية التي تتهاوى أقنعتها أمام جرائم الاحتلال.
غزة.. من الحصار إلى طوفان الغضب
جاءت أحداث السابع من أكتوبر بعد 17 عامًا من حصار خانق حوّل غزة إلى سجن كبير، اختنق فيه الفلسطينيون اقتصاديًا وإنسانيًا بينما صمت العالم، وكان طوفان الأقصى انفجارًا في وجه الظلم، وصرخة وجودية تقول إن الشعب الفلسطيني لا يزال قادرًا على الفعل، رغم كل محاولات الإخضاع.
انهيار الأسطورة الأمنية الإسرائيلية
من أبرز نتائج الطوفان أنه قلب معادلة "العقل الأمني الإسرائيلي" رأسًا على عقب، فقد انهار اليقين بقدرة إسرائيل على المراقبة والسيطرة، وأثبتت المقاومة أن الجدران الحديدية والتكنولوجيا المتطورة لا تضمن الأمن أمام إرادة التحرر.
الطوفان كاشف لا منشئ
يمكن النظر إلى طوفان الأقصى كـضربة استباقية وموقف وجودي أبلغ رسالة مفادها أن الفلسطينيين لن يُمحَوا في صمت، فالمجازر التي تلت السابع من أكتوبر لم تُنشئ عقلية الإبادة بل كشفتها للعالم، وأسقطت آخر الأقنعة عن الخطاب الصهيوني.
منهج الإبادة في خطاب الاحتلال
تجلّت خلال العامين الماضيين تصريحات رسمية إسرائيلية تُنكر إنسانية الفلسطينيين، وتدعو صراحةً إلى الإبادة:
- نزع صفة الإنسانية: وصف الفلسطينيين بـ "الحيوانات البشرية" (يوآف غالانت).
- الدعوة إلى الحرق والمحو: "يجب إحراق غزة بأهلها" (نيسيم فتوري)، و"لا يوجد شعب فلسطيني" (بتسلئيل سموتريتش).
- السادية في الخطاب: "علينا إيجاد طرق أكثر ألمًا من الموت" (عميحاي إلياهو).
- استهداف الأطفال: "كل طفل في غزة عدوّ محتمل" (موشيه فيغلن).
- استخدام التجويع كسلاح: "لن نسمح بدخول غرام واحد من المساعدات" (إيتمار بن غفير).
مفاوضات تحت النار: الخداع السياسي كأداة حرب
طوال عامين، توالت الوساطات لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وقابلتها المقاومة بمرونة ومسؤولية، بينما أفشلت حكومة نتنياهو المتطرفة جميع المبادرات عمدًا، فقد تحوّلت المفاوضات إلى ستار لتوسيع العدوان وكسب الوقت.
تحولات كبرى فرضها الطوفان
غيّر السابع من أكتوبر أمورا عديدة، من أبرزها:
- انهيار الصورة العالمية لإسرائيل: تلاشت سردية "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، وصارت إسرائيل مقترنة بجرائم الحرب أمام محاكم العدل والجنائية الدولية.
- تزايد العزلة الدولية: لم يعد التحالف مع إسرائيل خيارًا بلا كلفة سياسية أو أخلاقية.
- انكسار احتكار الرواية: صارت الرواية الفلسطينية هي الحاضرة عالميًا، وتراجعت الدعاية الصهيونية.
- عودة فلسطين إلى الواجهة الدولية: استعادت القضية مكانتها في الإعلام والمحافل الأممية.
- إحياء الوعي الشعبي العربي والإسلامي: فشلت مشاريع التطبيع في طمس المشاعر الجماعية.
- توحيد الذاكرة الفلسطينية: أكد الطوفان أن الاستهداف واحد، وأن الوحدة والمقاومة سبيل النجاة.
- انكشاف ازدواجية الغرب: سقطت شعارات الليبرالية أمام الانحياز الفج لإسرائيل.
- تحول لغوي في الخطاب الدولي: دخلت مصطلحات "الإبادة" و"الاحتلال" و"جرائم الحرب" بديلاً عن "النزاع" و"الدفاع عن النفس".
- إعادة التفكير في مسارات التسوية: أثبت الواقع أن تجاهل الحقوق الفلسطينية يؤدي إلى انفجارات أكبر.