الاكتئاب والانتحار في صفوف جنود الاحتلال: حرب غزة تحوّل الجيش الإسرائيلي إلى ساحة انهيار نفسي

بينما يحاول قادة الاحتلال الإسرائيلي الظهور بمظهر الصلابة العسكرية والسيطرة الميدانية، تكشف التقارير الواردة من داخل المؤسسة العسكرية واقعًا مختلفًا تمامًا: الجنود يعانون، والانهيارات النفسية تتزايد، والانتحار لم يعد نادرًا.
فبحسب صحيفة هآرتس، انتحر منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر 2023 وحتى نهاية عام 2024 أكثر من 35 جنديًا إسرائيليًا، فيما وُثقت حالات انتحار جديدة مطلع 2025، وسط تعتيم إعلامي رسمي. تم دفن بعض هؤلاء الجنود دون جنازات عسكرية أو إعلان رسمي، في محاولة واضحة للتقليل من حجم الأزمة.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد. تشير التقارير إلى أن الجيش الإسرائيلي اضطر لتجنيد جنود من الاحتياط يعانون أصلًا من أمراض واضطرابات نفسية، وحتى من يتلقون العلاج في المستشفيات النفسية. وقد أكد قائد عسكري لـ"هآرتس" أن الجيش يضطر لتجنيد من هم في "حالة نفسية غير مستقرة" بسبب نقص شديد في القوى البشرية.
وفي هذا السياق، كشفت إدارة التأهيل التابعة للجيش الإسرائيلي أنها استقبلت نحو 16 ألف جندي منذ بداية الحرب، نصفهم يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، بينهم 2900 يعانون من إصابات جسدية ونفسية معًا. تم تسجيل 72 جنديًا مبتوري الأطراف، و66% من هذه الحالات من جنود الاحتياط.
وتزداد خطورة المشهد مع وجود آلاف من جنود الاحتياط الذين يرفضون العودة إلى الخدمة، أو يوقعون عرائض تطالب بوقف الحرب مقابل إعادة الأسرى. هؤلاء باتوا يشكلون ضغطًا سياسيًا وشعبيًا داخل إسرائيل، في ظل عجز الحكومة عن تقديم نهاية واضحة للحرب أو استراتيجية خروج مقبولة.
برنامج العلاج النفسي المخصص لجنود الاحتياط استقبل حتى الآن أكثر من 170 ألف طلب، ما يعكس الحجم الحقيقي للمشكلة، بينما تتوقع إدارة التأهيل أن تتعامل مع أكثر من 100 ألف حالة نفسية بحلول عام 2030، نصفهم على الأقل سيعانون من اضطرابات نفسية حادة.
وتؤكد صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن هناك عجزًا متفاقمًا في صفوف الألوية والكتائب نتيجة للانسحابات النفسية، وليس فقط بسبب القتلى أو الجرحى. بينما أشارت "تايمز أوف إسرائيل" إلى أن الجيش يتعامل حاليًا مع أكثر من 78 ألف مصاب نفسي من الحروب الحالية والسابقة.
ما يجري داخل جيش الاحتلال لا يعكس فقط أزمة في الموارد البشرية، بل انهيارًا عميقًا في البنية النفسية للمؤسسة العسكرية. قد تكون هذه واحدة من أبرز نتائج حرب غزة التي تجاوزت آثارها حدود المعركة لتصل إلى داخل العقول والقلوب، وتفتح سؤالًا حقيقيًا: إلى متى يمكن لجيش يعاني داخليًا أن يصمد خارجيًا؟