أحمد حمدية.. قارئ القرآن الذي ارتقى مقاتلًا في غزة وترك صوتًا لا يُنسى

"كأنك تسمع إمام مسجد في ليلة رمضانية، لا مقاتلًا في ساحة معركة".. بهذه الكلمات وصف كثيرون اللحظات الأخيرة للشهيد أحمد حمدية، الشاب الغزي الذي ظهر في مقطع فيديو وهو يتلو آيات الجهاد والثبات من القرآن الكريم، قبيل لحظات من استشهاده في حي الشجاعية شرق غزة.
المشهد لم يكن عابرًا؛ أحمد، ذو الصوت الشجي والوجه الهادئ، لم يكن مجرد مقاتل، بل كان حالة نادرة من الاندماج بين روح الدعوة وسلاح المقاومة. منذ طفولته، كان حمدية قارئًا للقرآن، إمامًا في مساجد غزة، وناشطًا في العمل الدعوي. لكن الحرب، التي اجتاحت كل تفاصيل الحياة في القطاع، نقلته من محراب المسجد إلى خطوط المواجهة الأمامية.
وُلد أحمد في مدينة جنين، وانتقل إلى غزة بعد إبعاد والده من سجون الاحتلال عام 2008. في حي الشجاعية، بدأ مسارًا مليئًا بالقراءة، والحفظ، والنشاط في صفوف الكتلة الإسلامية. كانت روحه هادئة، لكن إيمانه صلب، وحين اندلعت حرب الإبادة الإسرائيلية، لم يتردد في التقدّم نحو المعركة.
لكن أحمد لم يكن وحيدًا في هذا الطريق؛ والده، إبراهيم حمدية، استشهد قبل أشهر، وشقيقه حذيفة سبقه إلى الجنة، فيما عمّه محمد نفّذ واحدة من أشهر العمليات الاستشهادية في العفولة عام 2002. عائلة كُتب على رجالها أن يكونوا في طليعة الشهداء، وأن يزرعوا في ذاكرة غزة وقلوب الفلسطينيين معنى الفداء الحقيقي.
رغم انشغاله بالمقاومة، لم يتخلَّ أحمد عن حلمه المدني؛ التحق بكلية الشرطة وتخرج قبل أشهر برتبة ملازم بحري. بل حتى في حياته الشخصية، كان يخطط للاستقرار، فعقد قرانه قبل خمسة أشهر فقط. لكن الحرب اختصرت أحلامه، وجعلت موعده مع الشهادة أسرع من موعد زفافه.
في حي الشجاعية، حيث دارت واحدة من أعنف المعارك، واجه أحمد قوات الاحتلال في اشتباك بطولي، واختلط صوت الرصاص بصوته القرآني الذي لطالما ملأ به مساجد غزة. لحظات قليلة فصلت بين التلاوة والشهادة، بين الحياة والمجد، بين أحمد الإنسان وأحمد الشهيد.
قصة أحمد حمدية هي أكثر من سيرة فردية؛ إنها تجسيد لملامح جيل كامل يرى في الدم طريقًا للكرامة، وفي القرآن زادًا للمواجهة، وفي كل خسارة شخصية انتصارًا جماعيًا.
"أم الشهيدين" كما لُقبت والدته، زفّت أحمد وشقيقه حذيفة إلى الجنة بصبر لا يُصدق. في مراسلاتها، نعَت حذيفة أولًا، ثم كتبت في اليوم التالي: "أحمد لحق بأخيه.. احتسبتهما عند الله". في غزة، الصبر لا يُدرّس.. بل يُعاش.