عاصمتها بلا طرق برية.. ألاسكا الأمريكية التي اشترتها من روسيا

ألاسكا، الولاية الأمريكية الشاسعة في أقصى الشمال الغربي، تحمل قصة تاريخية فريدة من نوعها؛ فهي أرض اشترتها الولايات المتحدة من روسيا بصفقة بدت للكثيرين -آنذاك- سخيفة، لكنها تحولت إلى إحدى أفضل الصفقات في التاريخ، ليس هذا فحسب، فألاسكا تتميز بظاهرة جغرافية نادرة، عاصمتها "جونو" لا ترتبط بأي طريق بري بباقي مناطق الولاية أو بباقي الولايات، وفقط يمكنك الوصول إلى جونو بالطائرة أو السفينة، فما الحكاية الكاملة لألاسكا؛ من صفقة الشراء وأسبابها، إلى ما تلاها من اكتشافات الذهب والنفط، وحتى غرائبها الجغرافية والديموغرافية اليوم؟
7.2 مليون دولار غيّرت التاريخ
في عام 1867 أبرمت الولايات المتحدة صفقة مع الإمبراطورية الروسية لشراء إقليم ألاسكا مقابل 7.2 مليون دولار ذهبًا، ما يعادل حوالي 140 مليون دولار حاليًا، حينها، كانت روسيا تعاني من أزمات مالية وتخشى فقدان ألاسكا لصالح بريطانيا بدون مقابل في حال اندلاع حرب، حيث كانت كندا جارة ألاسكا تخضع لبريطانيا، لذا فضلت بيعها للأمريكيين الذين كانوا يتوسعون غربًا.
ردود الفعل وقتها
سخر كثيرون في الولايات المتحدة من الصفقة واعتبروها "حماقة وزير الخارجية ويليام سيوارد" الذي قاد المفاوضات، وأطلقوا على ألاسكا اسم "ثلاجة سيوارد"، و"حقله الثلجي"، معتقدين أنها أرض جليدية لا نفع منها، وحتى في الكونغرس الأمريكي، واجهت الصفقة انتقادات ولكن تم تمريرها بفارق ضئيل.
إنزال العلم الروسي
في 18 أكتوبر 1867 أنزل العلم الروسي من على قلعة "سيتكا" ورفع العلم الأمريكي، معلنًا انتقال ألاسكا رسميًا، هذا اليوم يحتفل به حتى الآن في ألاسكا باسم "يوم ألاسكا"، وظلت ألاسكا ولاية غير منظمة حتى عام 1959 حين أصبحت رسميًا الولاية الأمريكية التاسعة والأربعين.
المفاجأة.. ذهبٌ ثم نفط
لم تمضِ سوى أعوام قليلة حتى بدأ الأمريكيون يدركون الكنوز التي حصلوا عليها من روسيا بثمن زهيد، ففي تسعينيات القرن الـ 19، تفجرت في ألاسكا ومنطقة يوكون المجاورة بحمّى ذهب كلوندايك الشهيرة، وتهافت عشرات الآلاف من المغامرين والمنقبين إلى شمال ألاسكا بعد اكتشاف رواسب ذهبية هائلة، أدت هذه الطفرة الذهبية إلى بناء مدن جديدة وازدهار اقتصادي مفاجئ، وأثبتت قيمة ألاسكا العملاقة.
لكن المفاجأة الأكبر جاءت في عام 1968 حين تم اكتشاف حقل نفط "برودهو باي" على الساحل الشمالي لألاسكا، أحد أكبر حقول النفط في أمريكا الشمالية، تلاه مد أنبوب النفط العملاق "ترانس ألاسكا" بطول 1300 كم عبر الولاية نحو الجنوب، أما اليوم، يُشكل النفط عماد اقتصاد ألاسكا ومصدر ثراءها إلى جانب معادن أخرى وصيد الأسماك، ويمكن القول إن روسيا تخلت بملايين معدودة عن ثروات بأرقام فلكية.
عاصمة لا تصلها الطرق!
جونو (Juneau) عاصمة ألاسكا منذ عام 1906، تحمل تميّزًا جغرافيًا غريبًا فهي معزولة برًا ومحاطة بجبال شاهقة وأنهار جليدية، وبحر من باقي الجهات، فلا توجد أي طرق برية تربطها بباقي مدن ألاسكا، وأقرب طريق سريع إليها يتوقف على بُعد 50 ميلًا منها، لذا يعتمد سكانها (حوالي 32 ألف نسمة) على الطائرات والعبّارات للتنقل ونقل البضائع.
جعلت طبيعة ألاسكا الجبلية الوعرة والكثافة السكانية المنخفضة جدًا إنشاء الطرق أمرًا مكلفًا، وغير عملي في كثير من المناطق، وبالنسبة لجونو، فإن الحواجز الطبيعية جعلت أي محاولة لشق طريق تصلها بباقي الولاية مشروعًا هندسيًا شبه مستحيل أو مكلف للغاية.
ورغم هذه العزلة البرية فالعاصمة جونو ليست متأخرة، فهي مدينة حديثة فيها مطار دولي وميناء نشط، وتصلها الرحلات البحرية والجوية يوميًا، المفارقة أن "هونولولو" عاصمة هاواي أيضًا غير مرتبطة برًا بأي ولاية (كونها جزيرة)، ما يجعل جونو وهونولولو الوحيدتين بين عواصم الولايات الأميركيات بهذا الوضع الخاص.
ملامح ألاسكا اليوم
- المساحة والسكان: ألاسكا هي أكبر ولاية أمريكية على الإطلاق (تعادل مساحتها مجموع مساحات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا)، لكنها من الأقل سكانًا – حوالي 730 ألف نسمة فقط، فالكثافة السكانية شبه معدومة في معظم أراضيها الشاسعة.
- التنوع الطبيعي: تعرف ألاسكا بطبيعتها الخلابة؛ فيها أعلى قمة في أمريكا الشمالية (جبل دينالي)، وبها أعداد هائلة من الدببة البنية والأسماك وقطعان الرنة، كما تشتهر بشفقها القطبي في ليالي الشتاء، أما مناخها يعد متطرفا بشتاءات طويلة مظلمة وصيف قصير معتدل.
- السكان الأصليون: يعيش في ألاسكا عشرات الآلاف من السكان الأصليين (الإسكيمو والأليوت وغيرهم) الذين حافظوا على ثقافاتهم وصيدهم التقليدي في ظل الحداثة، ويحصل جميع سكان ألاسكا سنويًا على حصة من أرباح النفط (حوالي 1000-2000 دولار للفرد) عبر "صندوق ألاسكا الدائم" وهي ميزة لا توجد في بقية الولايات.