"القاضي الرحيم" يودّع الحياة تاركا إرثا لا يفنى.. فما قصته؟

حزن خيّم على كل متابعي القاضي الأمريكي، فرانك كابريو، الملقب بـ "القاضي الرحيم" بعد إعلان وفاته عن عمر ناهز 88 عاماً، بوفاته تخسر الولايات المتحدة والعالم واحداً من أبرز الوجوه القضائية التي جمعت بين العدالة والرحمة، بعدما تحوّل من قاضٍ محلي في رود آيلاند إلى شخصية عالمية ألهمت الملايين عبر شاشات التلفزيون، ومقاطع الفيديو على الإنترنت.
نشأة متواضعة وإنسان استثنائيً
وُلد فرانك كابريو في عام 1936 بحي فيدرال هيل بمدينة بروفيدنس، رود آيلاند، لأسرة مهاجرة من إيطاليا، ونشأ في بيئة متواضعة، حيث عمل منذ صغره في غسل الصحون، وتلميع الأحذية، وتوصيل الصحف، وقيادة شاحنات الحليب، ليعيل نفسه ويساعد أسرته.
ورغم صعوبة الظروف، لم يتخل كابريو عن حلمه في التعليم، فحصل على بكالوريوس من كلية بروفيدنس عام 1957، ثم واصل دراسة القانون ليلاً في جامعة سافولك ببوسطن، بينما كان يدرّس في المدارس الثانوية نهاراً.
مسيرة مهنية وسياسية بارزة
دخل كابريو الحياة العامة مبكراً بانتخابه عضواً في مجلس مدينة بروفيدنس بين 1962 و1968، وشارك لاحقاً في المؤتمر الدستوري لولاية رود آيلاند عام 1975، كما كان مندوباً في مؤتمرات الحزب الديمقراطي القومية، وفي عام 1985، عُيّن قاضياً في المحكمة البلدية ببروفيدنس، وهو المنصب الذي شغله حتى تقاعده عام 2023، ليُعرف طوال مسيرته القضائية بميله لدمج القانون بالإنسانية، وإيجاد حلول عادلة تراعي الظروف الاجتماعية للناس.
شهرة عالمية عبر "Caught in Providence"
نال كابريو شهرته حول العالم هو برنامجه التلفزيوني"Caught in Providence"، الذي بدأ محلياً قبل أن يتحوّل إلى ظاهرة عالمية بفضل الإنترنت.
وضمن برنامجه، كانت تُعرض قضايا المرور البسيطة أمامه، إلا أن طريقته في التعامل مع المتقاضين، من دعوة الأطفال لمساعدته في إصدار الحكم، إلى إعفاء الغرامات عن أشخاص يعانون مآسي إنسانية، جعلت منه رمزاً للعدالة الرحيمة، وحصدت مقاطع برنامجه مليارات المشاهدات عبر منصات التواصل الاجتماعي.
صراع مع المرض ووفاته
في ديسمبر 2023، أعلن كابريو عبر مقطع مصوّر إصابته بسرطان البنكرياس، في رسالة مؤثرة طالب فيها جمهوره بالدعاء، وواصل علاجه، حيث خضع للعلاج الإشعاعي حتى مايو 2024، واحتفل ببوادر الشفاء في أحد مراكز علاج السرطان وسط دعم من محبيه، لكن المرض عاد ليحكم سيطرته على جسده، وأعلنت عائلته وفاته أمس 20 أغسطس/ آب 2025، بعد "معركة طويلة وشجاعة"، تاركاً وراءه إرثاً إنسانياً قلّ نظيره.
ردود أفعال واسعة على خبر وفاته
أثارت وفاته موجة واسعة من الحزن، إذ وصفه حاكم رود آيلاند، دان ماكي، بأنه "كنز رود آيلاند ورمز للعدالة الرحيمة"، وأمر بخفض الأعلام حداداً عليه.
كما نعته وسائل الإعلام العالمية والعربية بوصفه "أرحم قاضٍ في العالم"، وأشاد به ملايين المتابعين الذين تأثروا بمواقفه الإنسانية، وصرحت عائلته وأصدقاؤه بأنه لم يكن مجرد قاضٍ، بل زوجاً وأباً وجدّاً وصديقاً محباً ترك أثراً لا يمحى.
إرث باقٍ
لم يكن فرانك كابريو مجرد رجل قانون، بل كان معلماً ومصلحاً اجتماعياً وإنساناً مؤمناً بقيمة الرحمة في الحياة العامة، وإرثه لن يُقاس فقط بعدد القضايا التي حكم فيها، بل بعدد القلوب التي ألهمها وأدخل إليها الأمل بأن القضاء ليس فقط عدالة بل حالة من المشاعر الإنسانية النبيلة.