إحراق الأقصى 1969… من جريمة مايكل دينيس إلى اقتحامات المستوطنين اليوم

في صباح 21 آب 1969، استيقظت القدس على كارثة هزّت وجدان الأمة الإسلامية والعالم بأسره: إحراق المسجد الأقصى على يد متطرف يهودي يدعى مايكل دينيس. لم يكن المشهد مجرد حريق في مبنى تاريخي، بل محاولة لطمس هوية القدس ومسح رمزيتها الدينية والسياسية.
وبعد 56 عاماً، لا تزال النار مشتعلة بشكل آخر: اقتحامات يومية، محاولات لفرض الطقوس التلمودية، ومخططات لتغيير طابع المكان المقدس، لتبقى ذكرى الجريمة الأولى مرتبطة بسلسلة طويلة من الانتهاكات المستمرة.
الحريق الأول: جريمة 1969
حين اقتحم مايكل دينيس المسجد الأقصى وأشعل النار في جناحه الشرقي، أتت ألسنة اللهب على سقوفه وسجاده وزخارفه النادرة. مسجد عمر التاريخي احترق، محراب زكريا تضرر، وسقطت أجزاء من السقف الكبير. النيران أحرقت 74 نافذة خشبية و48 نافذة من الجبص والزجاج الملون، كما أتلفت زخارف وآيات قرآنية محفورة على الجدران.
الفلسطينيون هبّوا لإطفاء النار، في وقت قطعت سلطات الاحتلال المياه عن المنطقة ومنعت سيارات الإطفاء من الوصول بسرعة، لتتحول الجريمة إلى علامة فارقة في سجل التهويد المستمر للقدس.
الوصاية الهاشمية وإعادة الإعمار
لم تكن استعادة الأقصى بعد الحريق مهمة سهلة. استغرقت عملية الترميم سنوات طويلة، وكان من أبرز ملامحها إعادة منبر صلاح الدين الأيوبي إلى مكانه الطبيعي، ضمن مشاريع إعمار ملكية هاشمية متواصلة منذ أكثر من قرن.
الأوقاف الإسلامية في القدس أكدت أن هذه المشاريع ليست مجرد ترميم حجارة، بل حماية للهوية والرمزية الدينية للقدس، وتجديد للعهد بأن الأقصى ليس وحده.
من الاقتحامات إلى الطقوس العلنية
منذ عام 2003، تحولت ساحات الأقصى إلى ساحة اقتحامات شبه يومية للمستوطنين، بحماية قوات الاحتلال. لم يتوقف الأمر عند التجوال الاستفزازي، بل تطور إلى أداء صلوات صامتة، ثم علنية، ثم محاولات لإدخال أدوات الطقوس التلمودية مثل الشمعدان ولفائف التوراة وحتى القربان الحيواني.
الأرقام تكشف حجم التصعيد: خلال النصف الأول من العام الحالي فقط، اقتحم أكثر من 33 ألف مستوطن المسجد الأقصى، إضافة إلى 26 ألفاً آخرين تحت غطاء "السياحة"، وهو غطاء يسمح بإدخال مجموعات منظمة تؤدي طقوساً بشكل غير معلن.
مجازر وهبّات متعاقبة
حريق الأقصى لم يكن الحادث الوحيد. بل شكّل بداية لمسار دموي طويل:
- مجزرة 1990: استشهد 21 مصلياً وأصيب 150 حين أطلق جنود الاحتلال النار على المصلين الذين حاولوا التصدي لجماعة متطرفة وضعت حجر أساس لـ "الهيكل الثالث".
- هبّة النفق 1996: اندلعت احتجاجاً على حفر الاحتلال نفقاً أسفل المسجد الأقصى، وأسفرت عن استشهاد نحو 100 فلسطيني وإصابة 1600 آخرين.
- اقتحام شارون 2000: زيارة أرييل شارون لساحات الأقصى أشعلت الانتفاضة الثانية، التي ارتقى خلالها آلاف الشهداء.
كل هذه المحطات ربطت الأقصى بتاريخ فلسطيني مقاوم، يثبت أن محاولة السيطرة على المسجد لا تمر دون مواجهة شعبية.
الذكرى اليوم: سياق حرب وعدوان شامل
تحل الذكرى هذا العام وسط تصاعد غير مسبوق في الهجمة الإسرائيلية، مع استمرار العدوان على غزة والضفة منذ تشرين الأول 2023. القدس تحديداً تشهد أشرس حملات التهويد منذ 1967، بإغلاق المساجد والكنائس، وفرض حصار على المصلين، ومنع الوصول للأماكن المقدسة لأيام متتالية.
أخطر مشهد سُجل مؤخراً كان إدخال مستوطنين قرباناً حيوانياً إلى ساحات المسجد من باب الغوانمة، لأول مرة منذ احتلال القدس. خطوة تحمل دلالات واضحة: محاولة فرض تغيير شامل على هوية المكان الديني، وتحويله إلى مسرح للطقوس التلمودية.
ذكرى حريق الأقصى ليست مجرد استرجاع لحدث تاريخي، بل تذكير بما يتعرض له المسجد اليوم من اقتحامات وتهديدات. الأقصى يواجه معركة هوية ووجود، ومسؤولية التفاعل والدفاع عنه لا تقع على الفلسطينيين وحدهم، بل على كل من يعتبر القدس جزءاً من تاريخه ومستقبله.