هل يصنع العالم محور شر جديد لضمان بقاء الأنظمة؟

بينما يتابع العالم اشتعال الصراع بين إيران وإسرائيل، تلوح في الأفق تساؤلات عميقة حول تحولات التحالفات في الشرق الأوسط. لم يعد الحديث فقط عن صراع مسلح، بل عن سرديات إعلامية تعاد صياغتها لتخدم أنظمة تبحث عن البقاء، لا عن العدالة أو الحقوق.
في قلب هذا الجدل، تبرز فلسطين كقضية أُقصيت من الأولويات، بينما يُعاد تعريف “محور الشر” على أُسس جديدة لا علاقة لها بالحقيقة بل بالمصلحة.
من اخترع محور الشر؟ منذ سنوات، عملت إسرائيل وأذرعها الإعلامية على رسم صورة موحدة لما يسمى بـ“محور الشر”، وهي خريطة تجمع إيران، سوريا، حزب الله، حماس، الحوثيين ومليشيات شيعية عراقية. هذا المحور قدَّم للعالم كرواية جاهزة: تحالف عدائي ضد “الاستقرار” وضد “القيم الغربية”.
لكن ما الهدف من هذا التوصيف؟ ولماذا الآن؟
- تم تصوير هذا المحور كتهديد وجودي دائم لإسرائيل.
- استخدم كأداة لتبرير العمليات الأمنية والهجمات الاستباقية.
- استُغل سياسياً لتقوية شرعية أنظمة قمعية سواء في الداخل الإسرائيلي أو في محيطها.
في الواقع، لم يكن هذا المحور تحالفاً استراتيجياً بقدر ما كان تحالفاً ظرفياً هشاً.
إيران وحيدة في ساحة الصراع عند أول اختبار حقيقي، تبين أن المحور الذي رُوِّج له إعلامياً كان في معظمه افتراضياً. إسرائيل شنت هجمات مباشرة على طهران، وردت إيران بالصواريخ والتصريحات، ولكن دون أي دعم فعلي من شركائها المفترضين.
لماذا اختفى الدعم؟
- الحوثيون اكتفوا بردود رمزية دون تصعيد فعلي.
- حزب الله بقي صامتاً رغم الضغط الداخلي في لبنان.
- سوريا أصبحت تحت نفوذ أردوغان وبن سلمان، ولا مصلحة لها في المواجهة.
- العراق يعيش حالة انقسام داخلية تمنعه من اتخاذ موقف.
- غزة تُركت وحيدة في معادلة أكبر منها.
كل ذلك أظهر لإيران أن ما ظنته “محوراً” لم يكن أكثر من أوراق ضغط متفرقة.
الغرب يربح من خلق الأعداء ما الذي تكسبه الأنظمة الغربية من استمرار هذه الرواية؟ كثيرًا في الحقيقة. فمحور الشر كان دائماً مدخلاً لإقصاء ملفات مهمة مثل:
- الإصلاح السياسي والديمقراطي في الدول العربية.
- حقوق الإنسان والحريات المدنية.
- الحل العادل للقضية الفلسطينية.
أولوية “مواجهة إيران” غطت على هذه القضايا، وجعلت منها ترفًا مؤجلاً في سردية “محاربة التطرف”.
وفي حين يدافع الغرب عن أمن إسرائيل، يتغاضى عن معاناة الفلسطينيين وحقهم في تقرير المصير.
إيران ليست بريئة، ولكن ليست وحدها رغم محاولة إيران الظهور كمحور مقاومة، إلا أنها في الحقيقة لم تكن تمانع استخدام هذا الدور لضمان بقاء نظامها:
- طورت مشروعاً نووياً لحماية مصالح النظام أكثر من كونه أداة هجوم.
- استخدمت منظمات المقاومة كأدوات سياسية وليست تحالفات متكافئة.
- روّجت لمصطلحات مثل “الشيطان الأكبر” لترسيخ حالة عداء دائم يخدم سلطة الملالي.
في المقابل، وظفت الولايات المتحدة وإسرائيل هذا العداء لتبرير صفقات السلاح وتثبيت تحالفات مع أنظمة قمعية في المنطقة.
وماذا عن فلسطين؟ وسط كل هذا الصخب، لا تزال القضية الفلسطينية الضحية الأكبر. بعد انتهاء المواجهة مع إيران، ستعود الأنظار — نظريًا — إلى فلسطين، ولكن دون ضمانات بأن هناك نية حقيقية للحل.
- تُستخدم القضية كغطاء عندما يحتاج أحدهم للشرعية.
- يتم تجاهلها عندما تتطلب مواقف سياسية جادة من المجتمع الدولي.
- الشعب الفلسطيني يُترك يواجه الاحتلال وحده، وسط خطاب دولي مشوش ومجتزأ.
في النهاية، يبقى السؤال: هل سيسعى العالم إلى تسوية عادلة أم يخترع محور شر جديد يبرر استمرار أنظمة، على حساب شعب يبحث عن الحرية؟
العالم يقف على مفترق طرق. ما بين سردية “محور الشر” المتجددة، وتجاهل الحق الفلسطيني، تبدو الخيارات واضحة: إما مواجهة الحقيقة والعمل على حل جذري، أو إعادة تدوير الأكاذيب لخدمة مصالح الأنظمة على حساب الشعوب.