اتفاق تركي-صومالي لإحياء الاقتصاد الأزرق: الصيد البحري بوابة نفوذ جديد في أفريقيا

في خطوة تعكس تصاعد النفوذ التركي في أفريقيا، وقع الصومال اتفاقًا استراتيجيًا مع شركة "أوياك" التركية لإعادة هيكلة قطاع الصيد البحري وتحويل ثرواته غير المستغلة إلى رافد اقتصادي فعّال. الاتفاق لا يقتصر على الاستثمار فقط، بل يندرج ضمن رؤية أوسع لما يعرف بـ"الاقتصاد الأزرق"، أي استغلال البحار والمحيطات بشكل مستدام يحقق النمو ويحمي البيئة في آن واحد.
الاتفاق يشمل تحديث الموانئ، وإنشاء محطات تبريد حديثة، وتعزيز الخدمات اللوجستية، مما يفتح الباب أمام الصادرات البحرية الصومالية لدخول الأسواق العالمية. وبحسب وزارة الثروة السمكية في الصومال، يمثل هذا التحرك "عصرًا جديدًا" لاقتصاد البلاد، ونقلة نوعية تعزز أمنها الغذائي وتفتح آفاقًا جديدة للعملة الصعبة.
تركيا، من جهتها، تسعى لتوسيع حضورها في أفريقيا من خلال ما تسميه "رؤية 2053 للتنمية المستدامة في الاقتصاد الأزرق"، مستفيدة من خبرتها في الاستزراع السمكي وبناء السفن والبنية التحتية البحرية. ويبدو أن هذا الاتفاق مع الصومال ليس سوى بداية سلسلة من الشراكات المستقبلية في سواحل القارة، خصوصًا في دول مثل موريتانيا والمغرب.
لكن للاتفاق أبعاد أخرى. فوفقًا للمحلل السياسي مراد تورال، فإن التحركات التركية الاقتصادية في القرن الأفريقي لا يمكن فصلها عن البعد الجيوسياسي. هذه المنطقة تقع على خطوط التجارة البحرية الدولية وتتمتع بثروات غير مستغلة، ما يجعلها ساحة تنافس بين قوى كبرى كالصين ودول الخليج وروسيا. ومن هذا المنطلق، فإن التواجد التركي في البنية البحرية قد يتحول لاحقًا إلى ورقة نفوذ إقليمي في البحر الأحمر والمحيط الهندي.
الاتفاق أيضًا يركز على مكافحة الصيد الجائر وغير القانوني، وتطوير منظومات التتبع والرقابة بالتعاون مع شركاء دوليين. كما يتضمن إنشاء معامل تجهيز وتعليب متطورة، توفر آلاف فرص العمل، خصوصًا للشباب الصومالي.
من الجانب الاقتصادي، يرى عمر أكوتش، المحلل الاقتصادي، أن تركيا ستستفيد على مستويين: أولًا، دخول مباشر إلى أسواق جديدة لتقنيات الصيد وبناء السفن، وثانيًا، موطئ قدم مستدام في سلاسل القيمة البحرية العالمية من خلال إنشاء مصانع ومعامل معالجة الأسماك في أفريقيا.
هذه الشراكة لا تعني فقط فرصة اقتصادية للصومال أو توسعًا استثماريًا لتركيا، بل هي نموذج لتحوّل استراتيجي في كيفية فهم العلاقة بين التنمية الاقتصادية والنفوذ السياسي في القرن الأفريقي.