مروان البرغوثي… مانديلا فلسطين والطريق الأخير إلى حل الدولتين
مقال رأي - مجد منصور

ملخص :
تحليل: لماذا يشكّل الإفراج عن مروان البرغوثي الخيار العقلاني الوحيد أمام من يريد سلامًا حقيقيًا؟
في ظل انسداد الأفق السياسي للقضية الفلسطينية بعد حرب غزة وتصلب المواقف الإسرائيلية، يبرز اسم الأسير مروان البرغوثي مجددًا كآخر بصيص أمل واقعي نحو سلام قائم على حل الدولتين.
إن من يتابع المشهد يدرك أن كل مسارات التفاوض التقليدية وصلت إلى نهايتها، وأن أي محاولة لإحياء فكرة الدولة الفلسطينية دون قيادة تحظى بإجماع وطني وشعبوي حقيقي، ستبقى مجرد بيانات بلا معنى، وهنا، يبرز مروان البرغوثي باعتباره الشخصية الوحيدة القادرة على إعادة توحيد الصف الفلسطيني، وإعادة الثقة المفقودة بين الداخل والخارج، وبين الشعب والقيادة.
رمزية البرغوثي: مقاوم ودبلوماسي في آنٍ واحد
يمثّل البرغوثي نموذجًا فريدًا في التاريخ السياسي الفلسطيني، فهو المقاوم الذي حمل السلاح دفاعًا عن وطنه، لكنه في الوقت ذاته السياسي الواقعي الذي يؤمن بالتفاوض طريقًا للسلام.لقد جمع الرجل بين البندقية والطاولة، بين الكفاح والدبلوماسية، وهذا تحديدًا ما يجعله أقرب إلى صورة نيلسون مانديلا في التجربة الفلسطينية؛ الأسير الذي حاولت إسرائيل كسره فعززت رمزيته، والمناضل الذي تحوّل داخل زنزانته إلى رمز وطني جامع.
لقد نجحت إسرائيل، دون أن تدرك، في توحيد الفصائل الفلسطينية حول شخصٍ واحد حين سعت لعزله، اليوم، تتفق "فتح"، و"حماس"، ومعظم القوى الوطنية على أن مروان البرغوثي هو الخيار الأكثر قبولًا لقيادة المرحلة القادمة.
إنه ليس مرشح فصيل، بل مرشح فكرة.. فكرة الدولة الفلسطينية التي وُلدت من رحم المقاومة ولكن تؤمن بالسلام العادل.
العقلانية الغائبة في واشنطن وتل أبيب
حين نقول إن "الإفراج عن مروان البرغوثي هو قرار العقلاء"، فإننا لا نتحدث بلغة العاطفة، بل بلغة المصلحة السياسية. ففي إسرائيل، يعي اليمين المتطرف أن وجود البرغوثي في الميدان سيُحرجهم أمام العالم، لأنه يثبت أن ثمة شريكًا فلسطينيًا حقيقيًا للسلام، وليس ذريعة لرفضه، أما في واشنطن، فالإدارة الأمريكية - سواء بقيادة ترامب أو أي رئيس آخر- تدرك أن استمرار دعمها الأعمى للحكومات الإسرائيلية المتطرفة لم يعد يخدم مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، بل يُغذّي التطرف ويُضعف القوى المعتدلة.
إن أي إدارة أمريكية عاقلة تدرك أن البرغوثي ليس خطرًا أمنيًا بل فرصة سياسية. بل هو الرجل الوحيد الذي يستطيع التحدث باسم الفلسطينيين بصدقية حقيقية، لأنه لم يأتِ من التنسيق الأمني أو من صفقة خارجية، بل من السجون ومن الشارع الفلسطيني نفسه.
رسالة الإفراج: خطوة نحو العقل لا نحو الضعف
الإفراج عن مروان البرغوثي لن يكون هدية للفلسطينيين، بل استثمارًا في الاستقرار الإقليمي، فوجود قيادة فلسطينية موحدة وممثلة فعليًا للشعب يشكل ضمانة لأي مفاوضات قادمة، ويمنح عملية السلام — التي لفظت أنفاسها الأخيرة — جرعة حياة جديدة.
الدول العربية، من الأردن إلى مصر والسعودية، تنظر إلى شخصية البرغوثي كعامل توازن يمكن أن يُنهي الانقسام الداخلي ويعيد بناء الثقة في المؤسسات الفلسطينية. ومن هنا، فإن إطلاق سراحه سيحمل رمزية استراتيجية، ورسالة مفادها أن هناك من لا يزال يؤمن بالعقل والحل، لا بالانتقام والسيطرة.
البرغوثي: آخر خيط يربط بين المقاومة والسلام
بعد أكثر من عقدين في الأسر، لم يفقد مروان البرغوثي شرعيته ولا مكانته، بل تضاعفت قوته الرمزية كلما طال أسره.
اليوم، إذا كان في إسرائيل أو الولايات المتحدة من لا يزال يؤمن بسلامٍ ممكنٍ، فعليهم أن يدركوا أن الطريق إليه يمر عبر زنزانة رقم (28) في سجن هداريم، حيث يقبع الرجل الذي يمكنه وحده جمع ما فرّقته الانقسامات.
مروان البرغوثي ليس فقط أسيرًا فلسطينيًا، بل الاختبار الأخير لعقل العالم السياسي: هل ما زال هناك من يجرؤ على فعلٍ عقلاني من أجل السلام؟
إن تحرير مروان البرغوثي لن يكون انتصارًا شخصيًا، بل انتصارًا للعقل على الجنون، وللأمل على اليأس، فإن كان نيلسون مانديلا قد حرر جنوب إفريقيا من نظام الفصل العنصري بخروجه من السجن، فربما يكون خروج مروان البرغوثي هو الفرصة الأخيرة لتحرير المنطقة من وهم الصراع الأبدي.
الإفراج عن مروان البرغوثي ليس فقط عدلًا مؤجلًا — إنه آخر فرصة ممكنة للسلام.





