من الصين إلى الولايات المتحدة مرورا بأوكرانيا.. ما هي قصة المعادن النادرة؟
حرب اقتصادية خفية: المعادن النادرة في قلب الاقتصاد والسياسة

ملخص :
تلعب المعادن النادرة دورًا أساسيًا في دعم التكنولوجيا الحديثة والصناعات الاستراتيجية حول العالم، وتركز أهمية هذه المعادن على صعوبة استخراجها وندرتها النسبية، مما يجعلها موردًا حيويًا للدول والمصانع الكبرى.
ما هي المعادن النادرة؟
حسب وصف المعهد البريطاني للمسح الجيولوجي هي "مجموعة عناصر تستخدم في أكبر قدر من المنتجات الاستهلاكية في العالم"، وهي مجموعة مكونة من 17 عنصرًا كيميائيًا تُستخرج من قشرة الأرض.
كما أنها تعد من العناصر الحيوية الهامة في تطوير الصناعات الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة، فهي من المواد الخام الأساسية في تصنيع الهواتف والأجهزة الحديثة وغيرها، وعلى الرغم من تسميتها بالمعادن النادرة، إلا أنها ليست نادرة من حيث الكمية، بل تتميز بنوع آخر من الندرة، إذ توجد مختلطة مع معادن أخرى، مما يجعل استخراجها وفصلها عملية معقدة تتطلب تقنيات متقدمة، وهذا ينعكس مباشرة على ارتفاع أسعارها.
أين تتواجد المعادن النادرة؟
هيمنت الصين بنسبة 90% من الإنتاج العالمي مع مطلع القرن الـ 21، حيث تستفيد من انخفاض أجور اليد العاملة وعدم تشدد البلاد على شروط الحفاظ على البيئة، مما أتاح تصدير الفائض من إنتاجها بأسعار تنافسية، كما أنها تمتلك أكبر مصانع معالجة المعادن الأرضية النادرة في العالم، وهي في مقدمة الدول القليلة المنتجة للمعادن، فيما تحتكر نصف الاحتياطي العالمي للمعادن الأرضية النادرة.
تلتحق بها البرازيل وفيتنام وروسيا، فيما تمتلك الولايات المتحدة حوالي 12% فقط، ولا تمتلك سوى منجم واحد في كاليفورنيا يقوم بتصدير مستخلصات المعادن النادرة إلى الصين لتتم معالجتها هناك، نظرًا للإجراءات البيئية المشددة في الولايات المتحدة لتجنب التلوث أثناء المعالجة.
وفي أوكرانيا، أكدت الوكالة الجيولوجية الوطنية وجود معادن نادرة منتشرة في مناطق عدة، لا سيما شرق البلاد الخاضع جزئيًا للسيطرة الروسية.
أبرز المعادن النادرة
- التيتانيوم: يعد من أقوى المعادن على الأرض.
- الليثيوم: معدن أساسي في تصنيع البطاريات ويستخدم في صناعات الزجاج والسيراميك.
- الغرافيت: يعد ضروريًا في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية والمفاعلات النووية.
- اليورانيوم: يُستخدم في المفاعلات النووية.
- البيريليوم: رابع أخف المعادن على الأرض، يستخدم في تصنيع مكونات الطائرات والتلسكوبات الفضائية والمعدات الطبية والأسلحة ووسائد الهواء.
احتياطيات المعادن النادرة
بعد الصين التي تمتلك 44 مليون طن، تأتي البرازيل بحوالي 21 مليون طن، ثم الهند بحوالي 6.9 مليون طن، وأستراليا 5.7 مليون طن، روسيا 3.8 مليون طن، فيتنام 3.5 مليون طن، الولايات المتحدة 1.9 مليون طن، وغرينلاند 1.5 مليون طن.
أهمية المعادن النادرة في الصناعات
تستخدم المعادن النادرة في صناعة المغناطيسات القوية للأجهزة الإلكترونية المتطورة مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، وفي محركات السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح، وكذلك في المعدات الطبية مثل أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي.
كما أن المعادن تلعب دورًا محوريًا في الصناعات الدفاعية، مثل محركات الطائرات المقاتلة وأنظمة التوجيه الصاروخي، بالإضافة إلى تصنيع الشاشات المسطحة وأجهزة التلفزيون الحديثة، كما تتزايد أهميتها في ظل التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، حيث تُستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية والأنظمة الكهروضوئية للطاقة الشمسية والمكونات الأساسية لتوربينات الرياح، وتدخل المعادن أيضًا في صناعات متقدمة مثل تكنولوجيا الفضاء، والروبوتات، والرقائق الدقيقة المستخدمة في الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء.
الصراع بين الصين والولايات المتحدة حول المعادن النادرة
في عام 2010 بدأت الخلافات بين الصين والولايات المتحدة نتيجة رفع قضية ضد الصين في منظمة التجارة العالمية من قبل الولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأوروبي بسبب قيود الصين على صادرات المعادن، واستمر التوتر حتى 2014، ما دفع المنظمة لإصدار حكم لصالح الولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأوروبي، وأجبرت الصين على تعديل سياساتها التصديرية.
عاد التوتر مجددًا خلال الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة في 2018–2020، حيث فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية وزادت الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الصين.
القيود التي فرضتها الصين على المعادن النادرة
- 2010: تحديد حصص التصدير بهدف حماية البيئة وتنظيم الصناعة، ما رفع الأسعار عالميًا، وأدت اليابان والولايات المتحدة إلى رفع شكوى في منظمة التجارة العالمية.
- 2012–2014: فرض رسوم وضرائب إضافية تصل إلى 25%، وألغيت رسميًا بعد حكم منظمة التجارة العالمية.
- 2018–2020: تشديد تراخيص التعدين والإنتاج الداخلي، ودمج الشركات في "تحالفات وطنية" للسيطرة الحكومية على الإنتاج.
- 2020: إضافة بعض تقنيات فصل المعادن النادرة إلى "قائمة التكنولوجيا المحظور تصديرها".
- 2023–2024: قيود على تصدير المغناطيسات الأرضية النادرة وتقنيات إنتاجها، والحاجة لرخصة تصدير، بالإضافة إلى منع التصدير إذا كان هناك "خطر على الأمن القومي".
الصين تعلق القيود على المعادن النادرة لمدة عام
في 30/10/2025، أكدت الصين أنها وافقت على تعليق القيود التي فرضتها الشهر الماضي على صادرات عدة مواد لمدة عام، من بينها المعادن النادرة، والتي تسببت في تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقالت وزارة التجارة في بيان: "ستعلّق الصين لمدّة عام القيود على الصادرات ذات الصلة التي أُعلن عنها في 9 أكتوبر/تشرين الأول، وستدرس خططًا محددة بهذا الشأن".
في اليوم ذاته، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه توصل إلى اتفاق مع الصين يقضي بخفض الرسوم الجمركية مقابل استئناف بكين شراء فول الصويا من الولايات المتحدة وضمان استمرار صادرات المعادن النادرة وفرض قيود صارمة على التجارة غير القانونية في مادة الفنتانيل، مشيرا إلى أنه تم التوصل في الاجتماع مع نظيره الصيني شي جين بينغ في مدينة بوسان بكوريا الجنوبية إلى اتفاق قابل للتجديد لمدة عام بشأن توريد المعادن النادرة الحيوية.
وأضاف ترامب للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية: "تم التوصل إلى اتفاق بشأن جميع العناصر الأرضية النادرة، وهذا يهم العالم أجمع"، مشيرًا إلى أن الاتفاق يسري لمدة عام وسيُعاد التفاوض عليه سنويًا، دون تقديم أي تفاصيل عن شروط الاتفاق.
تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على المعادن النادرة
أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على المعادن النادرة بشكل كبير، حيث عطّلت قدرة أوكرانيا على استخراج وتصدير مواردها المعدنية بسبب السيطرة الروسية على مناطق غنية بالمعادن، ودمار البنية التحتية، وانسداد طرق التصدير، وقد أدى ذلك إلى زيادة المخاوف الجيوسياسية بشأن المعادن النادرة وأهميتها للصناعات الاستراتيجية، وتغيير ديناميكيات سلاسل الإمداد العالمية، وزيادة الاهتمام الغربي بتأمين مصادر بديلة.
كما تُعرف الأراضي الأوكرانية بغناها بالفحم والمعادن الثقيلة والنادرة التي تشد أنظار الغرب والشرق على حد سواء، ما حوّل السيطرة عليها من صراع إقليمي إلى نزاع دولي.
وخسرت أوكرانيا خُمس أراضيها في هذه الحرب، بما فيها أهم المناطق التي تحوي موارد طبيعية تقليدية مثل الفحم والحديد ورواسب النفط والغاز، بالإضافة إلى أجزاء من المعادن النادرة والحساسة.
فرص الدول الأخرى في الاستفادة من هذا الصراع
- الولايات المتحدة: وقعت اتفاقًا مع أوكرانيا لإنشاء صندوق استثمار لإعادة الإعمار، يتضمن حق الوصول إلى المعادن النادرة ضمن الشروط العسكرية والمالية للدعم.
- روسيا: سيطرت على أجزاء من شرق وجنوب أوكرانيا مثل دونيتسك ولوهانسك وزاباروجيا، ما يمنحها مزايا استراتيجية.
- أوروبا: أعادت تقييم سلاسل توريد المعادن النادرة نتيجة الحرب، مع التركيز على التنويع وتقليل الاعتماد على روسيا.
تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي
- ارتفاع الأسعار: توقف الإنتاج والنقل في أوكرانيا رفع أسعار المعادن مثل التيتانيوم والليثيوم، وزاد تكاليف الصناعات الإلكترونية والعسكرية والسيارات الكهربائية.
- اضطراب سلاسل التوريد: تأثير الحرب على توريد المواد الخام من روسيا وأوكرانيا أثر على شركات الطيران والطاقة والتكنولوجيا عالميًا.
- البحث عن بدائل: بدأت الدول الغربية بالبحث عن مصادر أخرى للمعادن النادرة، مما دفع للاستثمار في التعدين في كندا وأستراليا وأفريقيا.
تأثير الصراع على الاقتصاد الروسي والأوكراني والأوروبي
- روسيا: مكاسب بالموارد بسبب السيطرة على مناطق غنية بالمعادن، لكن العقوبات الغربية حدت من تصدير المعادن.
- أوكرانيا: خسائر كبيرة نتيجة سيطرة القوات الروسية على المناجم، لكنها تمتلك فرصة لإعادة الإعمار وجذب الاستثمارات مستقبلًا.
- أوروبا: نقص الموارد وارتفاع التكاليف، ما دفعها إلى إعادة ترتيب سلاسل التوريد وتنويع المصادر.
المعادن النادرة تتحكم في التكنولوجيا والصناعات الحديثة بشكل مذهل، كيف ستتعامل الدول مع هذه الموارد بين استغلالها وحماية أمنها؟ وهل سنشهد مستقبلًا تحكم هذه المعادن بالكثير من قرارات العالم؟





