التكنولوجيا الخضراء: مستقبل الطاقة المتجددة في الأردن والعالم

تخيل أنك تمشي في أحد أحياء عمّان، وتلاحظ أسطح البيوت مزينة بألواح شمسية لامعة، ومزارع الرياح في الأفق تتحرك ببطء، تنتج طاقة نظيفة لكل منزل ولكل شركة، هذا المشهد لم يعد خيالًا، بل هو جزء من واقعنا اليومي. 

العالم كله يتجه نحو الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الخضراء، ليس فقط للحفاظ على البيئة، بل أيضًا لتخفيف التكاليف، وخلق فرص عمل جديدة، وبناء مستقبل مستدام للأجيال القادمة، الأردن، بدوره، يمتلك موارد طبيعية هائلة، مثل أشعة الشمس الوفيرة والرياح القوية، التي تتيح له أن يكون لاعبًا فاعلًا في هذا التحول. 

في هذا التقرير سنوضح أبرز التقنيات الخضراء والطاقة المتجددة في الأردن والعالم. 

ماهي التكنولوجيا الخضراء والطاقة المتجددة؟ 

التكنولوجيا الخضراء هي أي تقنية أو ابتكار يساعد على تقليل الأضرار البيئية والحفاظ على الموارد الطبيعية، من أبسط أمثلتها: السيارات الكهربائية، المباني الموفرة للطاقة، والزراعة الذكية التي تستخدم المياه بكفاءة، أما الطاقة المتجددة فهي الطاقة المستمدة من مصادر طبيعية تتجدد باستمرار، مثل الشمس، والرياح، والمياه، وحتى النفايات العضوية، وما يميزها أنها نظيفة وصديقة للبيئة وتقلل اعتمادنا على الوقود الأحفوري الذي يلوث الهواء ويزيد من تغير المناخ. 

أبرز تطبيقات الطاقة المتجددة في الأردن

بدأ الأردن يلمس فوائد الطاقة المتجددة على أرض الواقع، الطاقة الشمسية هي الأكثر انتشارًا حيث يمكن رؤية ألواح شمسية على أسطح البيوت، وحتى في المدراس والمستشفيات، لتوليد كهرباء مستقلة وموفرة، بعض المزارع استفادت من هذه التقنية لتشغيل مضخات المياه وتحسين الإنتاج الزراعي مما وفر عليهم تكاليف الكهرباء التقليدية بشكلٍ ملحوظ. 

مشاريع الرياح أيضًا أصبحت جزءًا من المشهد، مثل مزارع الطفيلة والعقبة، حيث تدور توربينات الرياح ببطء لتوليد الطاقة الكهربائية النظيفة، وتغطي جزءًا من احتياجات الشبكة الوطنية، وهذه المشاريع ليست فقط مصدرًا للطاقة بل توفر فرص عمل للشباب وتدعم الاقتصاد المحلي. 

ووفقًا لما قال مدير مديرية الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة في وزارة الطاقة والثورة المعدنية يعقوب مرار فإن نسبة مساهمة الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء في الأردن ارتفعت من 1% في عام 2014 إلى 26.3% في عام 2023، هذا النمو الكبير يعكس الجهود المتواصلة لتعزيز مصادر الطاقة النظيفة وتقليل الاعتماد على الأحفور. 

ومن جهته رئيس اتحاد الجمعيات البيئية عمر شوشان قال إن أهم خطوة لتسريع التحول نحو الطاقة المتجددة في الأردن تتمثل في تحديث بنية شبكة الكهرباء وتوسيع قدرتها على الاستيعاب، إلى جانب تطوير منظومات التخزين الكهربائي، وأن مساهمة الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء وصلت إلى نحو 26 بالمئة نهاية عام 2023، وارتفعت إلى ما يقارب 28.2 بالمئة خلال 2024، ويرتبط هذا التقدم، وفق رؤيته، بتنفيذ سياسة تغيّر المناخ الوطنية 2022-2050 التي تتطلب مواءمة البنية التحتية مع الزيادة المستمرة في الطاقة المتجددة، ما يشمل إدماج التخزين وإدارة الطلب بشكل كامل.

وأشار إلى أن مستقبل الطاقة المتجددة في الأردن يبدو واعدًا خلال السنوات المقبلة، إذ تستهدف الاستراتيجيات الوطنية رفع نسبة الطاقة النظيفة في مزيج من الكهرباء، إلى حوالي 31 بالمئة بحلول عام 2031، ويرى أن هذا الاتجاه لا يُنظر إليه فقط بوصفه خيارًا طاقيًا، بل جزءًا من خطة أشمل لتحقيق أهداف المناخ وخفض الانبعاثات، كما لفت إلى أن تقرير التنمية والمناخ الخاص بالأردن يؤكد أن قوة هذا التحول تعتمد على خيارات الاستثمار والسياسات في قطاعات حيوية مثل المياه والطاقة والنقل والقطاع الحضري. 

وبين شوشان أن موقع الأردن في المنطقة يعد متقدمًا نسبيًا في مسار التحول نحو الطاقة المتجددة، رغم اعتماده على استيراد أكثر من 90 بالمئة من احتياجاته من الطاقة الأولية، وأرجع هذا التقدم إلى تبني الأردن تشريعات مبكرة مثل قانون الطاقة المتجدة وكفاءة الطاقة، الذي أسهم في خلق بيئة داعمة للمشاريع والاستثمار، في المقابل، تمتلك بعض الدول المجاورة موارد مالية أو نفطية أكبر، لكن الفرق الجوهري يكمن في الإدارة المؤسسية والخيارات السياسية التي ربطت الطاقة المتجددة في الأردن بأهداف التنمية المستدامة وسياسة المناخ.

وأوضح أن الأردن يمتلك نماذج مشاريع ناجحة في مجال الطاقة المتجددة، من بينها محطة الرياح في الطفيلة بقدرة 117 ميغاواط، ومحطة شمس معان بقدرة 100 ميغاواط، إضافة إلى مشروع باينونة للطاقة الشمسية بقدرة 200 ميغاواط، إلى جانب انتشار أكثر من 200 إلى نظام شمسي منزلي ومدرسي وبلدي، وقال إن هذه المشاريع لم تكن مجرد منشآت طاقية، بل جاءت ضمن رؤية وطنية تربط الطاقة المتجددة بسياسة المناخ وخفض الانبعاثات، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن التحديات ما تزال قائمة، وفي مقدمتها الحاجة إلى تحديث شبكة الكهرباء وتوسعتها، وتسريع إجراءات التمويل والربط، لتمكين إدماج قدرات أكبر من الطاقة المتجددة، كما أشار إلى أن التحول نحو الهيدروجين الأخضر يتطلب إطارًا تنظيميًا متكاملًا، يشمل المياه والتقنيات والتوطين الصناعي. 

وبين شوشان أن المجتمع المدني والجمعيات البيئية يلعبان دورًا أساسيًا في تعزيز الوعي بثقافة التحول الطاقي، غير تبسيط مفاهيم سياسة المناخ وتنظيم ورش وحملات تعليمية على مستوى المناطق والبلدات، إضافة إلى مراقبة تنفيذ المشاريع لضمان العدالة والمكاسب المجتمعية، وأن القطاع يشهد فرصًا تدريبية متنامية في مجالات الطاقة المتجددة وتخزين الكهرباء، إلى جانب مجالات جديدة مرتبطة بالهيدروجين الأخضر والتمويل المناخي وإدارة المشاريع، ما يجعل هذا القطاع مجالًا واعدًا لتأهيل الشباب وبناء مهارات جديدة.

وأنهى حواره مؤكدًا على أن الفوائد الاقتصادية للطاقة المتجددة تمتد مباشر إلى المواطنين، من خلال خفض فاتورة الكهرباء، وتقليل اعتماد الأردن على استيراد الوقود الذي يشكل أكثر من 90 بالمئة من احتياجاته، إضافة إلى خلق فرص عمل ضمن الاقتصاد الأخضر، وعلى المستوى البيئي، أوضح أن الأثر في المدن والريف على حد سواء، حيث تسهم المشاريع في خفض الانبعاثات وتخفيف التلوث وتحسين جودة الهواء في المدن، بينما توفر المناطق الريفية فرصًا تنموية واسعة للبنية التحتية، ضمن رؤية وطنية تدمج الطاقة المتجددة في استراتيجية التكيف مع تغير المناخ ومواجهة ضغوط ندرة المياه والبيئة.