غزة تنهض من تحت الرماد... مئات آلاف الفلسطينيين يعودون من الخيام إلى الركام ورسالتهم: لن نستسلم

ملخص :
على طول شارع الرشيد شمال غزة، بدا المشهد أقرب إلى ملحمة إنسانية حزينة. آلاف الفلسطينيين يسيرون حفاة أو على عربات متهالكة، يحملون ما تبقى من متاعهم وأطفالهم، عائدين إلى “بيوت” لم تعد موجودة. شوارع كانت يوماً تنبض بالحياة، تحولت إلى ممر عودة نحو المجهول.
العودة ليست انتصاراً… بل حاجة للهوية
بعد إعلان وقف إطلاق النار، تدفق الناس من الجنوب إلى الشمال كالسيل. لم تكن عودتهم نتيجة خطة حكومية أو ضمانات دولية، بل رغبة غريزية في رؤية ما تبقى من حياتهم القديمة.
“الشعور لا يوصف… إن شاء الله تكون آخر معاناة إلنا”، تقول نبيلة بصل وهي تمسك بيد ابنتها المصابة. فرحتها بنهاية الحرب تمتزج بالخوف من القادم، مثل آلاف العائدين الذين يمشون وقلوبهم ترتجف.
لكن الفرح لم يدم طويلاً.
أحمد الجعبري، الذي بنى منزله قبل أربعين عاماً، وقف أمام حفرة من الركام وقال:
“دمروا بيتي في لحظة… وين نروح؟ هل سنعيش عشرين سنة في خيمة؟”
مدينة بلا ملامح
حين اقتربت الجموع من قلب غزة، لم يجدوا مدينتهم.
نهى داود، أم لخمسة أبناء، عادت من دير البلح سيراً على الأقدام إلى حي الشجاعية.
تقول وهي تبحث عن أي علامة تدل على منزلها:
“ما بنقدر نميز بيوتنا… الشوارع راحت… كل شي انمسح”.
في حي التفاح، وقف أحمد مقاط أمام أنقاض منزله الذي دفن تحتها أفراد من عائلته:
“المنطقة مسحت بالكامل… لا بيوت ولا شوارع… بس جبال ركام”.
أبو أنس سكر، الذي كان يمتلك بناية من سبعة طوابق تسكنها 47 نفساً، قال وهو يحاول إزالة الحجارة:
“رجعنا ندور على بيت يأوينا… لقينا كومة حجارة. بدنا نعيش فوق الركام. ما في خيام ولا مراكز إيواء”.
أرقام الحرب… أضخم من الذاكرة
بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة:
- أكثر من 90% من البنية التحتية المدنية دُمّرت
- الخسائر تجاوزت 70 مليار دولار
- نحو 300 ألف وحدة سكنية سويت بالأرض
- ما يقارب مليوني نازح يعيشون في خيام بلا ماء أو كهرباء
- هذه ليست أرقاماً… بل حياة كاملة اختفت.
الإنسان قبل الحجر
ورغم كل شيء، هناك ما لا تستطيع الحرب هزيمته: الإرادة. ربى شهاب، ناشطة شابة، جاءت مع فريق تطوعي لتوزيع الماء والغذاء للعائدين. تقول:
“الناس راجعة على الذاكرة… مش على البيوت. الرجعة بحد ذاتها حياة جديدة”.
من داخل مجمع الشفاء الطبي، يتحدث الطبيب خالد العراج:
“الهدنة سياسية… بس الواقع الإنساني ما تغير. بنعالج المرضى تحت الخيام. لا مستشفيات، لا كهرباء”.
لكنه يضيف:
“العودة رغم كل شيء… بداية شفاء نفسي. الناس بدها تشوف بيوتها حتى لو صارت تراب”.
غزة… حيث لا تموت المدن
مع غروب الشمس، ساد المدينة هدوء ثقيل. هدوء يشبه الصمت الذي يسبق البكاء… لكنه أيضاً يشبه أول نفس لمدينة تحاول أن تقوم بعد عامين من الجحيم.
في غزة، الحروب لا تنتهي… بل تتبدل وجوهها. العائلات التي تسير شمالاً ليست فقط تبحث عن مأوى… بل عن معنى. عن هوية لم تنجح القنابل في محوها. عن وطن ينهض من تحت الرماد كل مرة. غزة لا تعود… غزة تعيد تعريف معنى العودة.





