بعد إعلان وفاته.. من هو رئيس الدولة الشرفي لكوريا الشمالية؟

ملخص :
أعلنت كوريا الشمالية، اليوم الثلاثاء، وفاة رئيس الدولة الشرفي، كيم يونغ نام، عن عمر يناهز 97 عاماً، بعد مسيرة طويلة من العمل السياسي والدبلوماسي أثرت بشكل كبير في مسار البلاد على مدى عقود، وتوفي كيم يوم أمس الاثنين نتيجة فشل متعدد في الأعضاء ناجم عن السرطان، وفق ما نقلته وكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية.
وزار الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، جثمان، كيم يونغ نام، اليوم الثلاثاء، لتقديم تعازيه الرسمية، مؤكداً الاحترام العميق لمكانته الطويلة داخل الدولة والنظام الحاكم.
مسيرة كيم يونغ نام السياسية والدبلوماسية
وُلد كيم يونغ نام عام 1928، وبدأ مسيرته الدبلوماسية في خمسينيات القرن الماضي بعد دراسته في موسكو، حيث اكتسب معرفة واسعة بالشؤون الدولية والسياسة العالمية، والتحق بالسلك الدبلوماسي لكوريا الشمالية في فترة حرجة من الحرب الباردة، وبدأ في ترسيخ مكانته ضمن النخبة الحاكمة.
ترقى كيم في صفوف حزب العمال الكوري الحاكم، فشغل منصب أمين عام للشؤون الدولية عام 1975، ثم وزيراً للخارجية عام 1983، وخلال هذه الفترة، تعامل مع العديد من التحديات الدبلوماسية، بما في ذلك إقامة روسيا والصين علاقات دبلوماسية مع كوريا الجنوبية، وهو ما اعتُبر اختباراً حقيقياً لقدراته على الحفاظ على مصالح بلاده في ظل تحولات جيوسياسية معقدة.
وأصبح كيم رئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى، وهو البرلمان الصوري في كوريا الشمالية، واستمر في هذا المنصب لمدة 21 عاماً حتى تقاعده في 2019، وكان خلال هذه الفترة الوجه الدبلوماسي المألوف لكوريا الشمالية، حيث استقبل كبار الشخصيات الأجنبية وشارك في الفعاليات الرسمية الكبرى.
دور محوري في دعم القيادة الجديدة
لعب كيم يونغ نام دوراً محورياً في تعزيز سلطة كيم جونغ أون بعد وفاة والده عام 2011، فقد حث الكوريين الشماليين على الالتفاف حول الزعيم الجديد، وشارك في إعلان توليه قيادة حزب العمال والجيش والشعب، ليصبح بذلك عاملاً أساسياً في ضمان استمرارية الحكم داخل النظام.
وشارك كيم في مناسبات مهمة على الصعيدين المحلي والدولي، أبرزها قيادة الوفد الكوري الشمالي إلى دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونغ تشانغ عام 2018، وقد كانت هذه الزيارة واحدة من أهم الخطوات الدبلوماسية لتقريب المسافات بين الكوريتين، إذ مهدت الطريق لاحقاً لاجتماعات كيم جونغ أون مع الرئيس الكوري الجنوبي السابق مون جاي إن، وكذلك اللقاء التاريخي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عام 2019، وهو الحدث الأول من نوعه الذي وطئت فيه أقدام زعيم كوري شمالي الأراضي الكورية الجنوبية.
شخصية كيم يونغ نام وفق شهادات الصحفيين والدبلوماسيين
وصف الصحافي الأميركي الراحل، دون أوبردورفر، الذي التقى بكيم، شخصيته بأنها "محيّرة"، مشيراً إلى أنه ودود ومسترخٍ قبل بدء العمل، لكنه صارم للغاية في تنفيذ التعليمات بمجرد الشروع في المهام الرسمية.
وأضاف أوبردورفر أن كيم "يتمتع بذكاء استثنائي، وبفضل مكانته المرموقة داخل النظام، يعد شخصية محورية خلف الكواليس في بيونغ يانغ"، مشيراً إلى أن تأثيره كان يتجاوز المظهر العام، ليشمل القرارات السياسية والدبلوماسية المهمة على مدى عقود.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن دبلوماسي كوري شمالي سابق قوله: "لو أشار كيم إيل سونغ إلى جدار وادعى وجود باب، لصدقه كيم يونغ نام وحاول المرور من خلاله"، في إشارة إلى ولائه الكامل للنظام وتفانيه في تنفيذ توجيهات القيادة العليا.
الإنجازات الدبلوماسية والتحديات الدولية
خلال مسيرته الطويلة، تجاوز كيم يونغ نام العديد من الأزمات الدبلوماسية الكبرى، بما في ذلك التعامل مع التوترات الدولية الناجمة عن العلاقات بين كوريا الشمالية وجيرانها الإقليميين، وكذلك مع القوى الكبرى مثل روسيا والصين، وكان يتمتع بقدرة على الموازنة بين الضغوط الداخلية والخارجية، مما جعله عنصراً أساسياً في صياغة سياسة بلاده الخارجية.
تقاعد كيم يونغ نام وإرثه السياسي
تقاعد كيم من الخدمة العامة في عام 2019 بعد أكثر من أربعة عقود في العمل السياسي والدبلوماسي، وعلى الرغم من تراجعه عن الظهور العلني مع تقدمه في السن، إلا أن تأثيره ظل ملموساً في صانعي القرار داخل بيونغ يانغ، وخصوصاً في دعم قيادة كيم جونغ أون خلال سنواته الأولى كزعيم أعلى.
وقد ترك كيم إرثاً يمتد عبر مسارات السياسة الداخلية والخارجية، إذ جمع بين الذكاء السياسي والقدرة الدبلوماسية، مما جعله شخصية محورية داخل النظام الكوري الشمالي، سواء في مواجهة الأزمات الداخلية أو أثناء إدارة العلاقات الدولية المعقدة.
يمثل رحيل كيم يونغ نام نهاية حقبة طويلة في تاريخ كوريا الشمالية، فقد كان واحداً من أبرز الوجوه السياسية والدبلوماسية التي شكّلت مسار البلاد لعقود، وبالرغم من كونه رئيساً لدولة شرفي، إلا أن تأثيره الفعلي على السياسة الداخلية والخارجية كان كبيراً، حيث ساهم في استقرار النظام ودعم الزعامة الجديدة، وحافظ على مصالح بلاده في محيط إقليمي ودولي معقد، وبزيارته لجثمانه، أكدت القيادة الكورية الشمالية تقديرها العميق لشخصيته ومسيرته، بينما يواصل المحللون مراقبة تأثير رحيله على السياسة الداخلية والتوازنات داخل النخبة الحاكمة في بيونغ يانغ.





