نهاية ثلاثة عقود من الأسر.. القائد عبد الناصر عيسى يعانق الحرية

في فجر هذا اليوم، ومع إشراقة الحرية التي تهزم قيود الاحتلال، احتفل الفلسطينيون ومعهم الأحرار في كل مكان بتحرر الأسير القائد عبد الناصر عيسى، ضمن الدفعة السابعة من صفقة “طوفان الأحرار”، ووصل إلى القاهرة بعد أن أمضى ثلاثة عقود في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
قصة صمود.. وملحمة انتصار
الأسير القائد عبد الناصر عيسى، ابن مدينة نابلس، عانق الحرية اليوم، اعتقله الاحتلال الإسرائيلي عام 1995 بعد عام من المطاردة، وتعرض لتحقيق قاسٍ استمر لفترة طويلة، ليصدر بحقه حكم بالسجن مدى الحياة، في رحلة اعتقالية امتدت لأكثر من 30 عامًا داخل السجون.
ورغم ظروف القهر، استطاع عيسى أن يحوّل أسره إلى رحلة إنجاز علمي، فحصل على عدة شهادات في البكالوريوس والماجستير، وأصبح من أبرز الأسرى الفاعلين ثقافيًا وأكاديميًا، ما جعل السجن يتحول على يديه إلى منارة علمية.
عبد الناصر الذي لم يستطع إنهاء دراسته الجامعية في جامعة النجاح التي كان أميرها في يوم من الأيام، أنهى شهادة البكالوريوس والماجستير في الجامعة العبرية، والتحق في أحد برامج الدكتوراه خارج البلاد فهو من عشاق القراءة والعلم والمعرفة.
وداع بلا لقاء
خلال سنوات اعتقاله، فقد عبد الناصر عيسى والديه دون أن يتمكن من وداعهما، حيث توفي والده عام 2006، بينما رحلت والدته عام 2017، لتبقى الحسرة حاضرة في ذاكرته، لكنها لم تكسر إرادته الصلبة.
يروي الباحث في شؤون الأسرى فؤاد خفش عن ذلك قائلا: عبد الناصر قال لي في ذات اتصال بعد وفاة والدته، وقد سبقها والده وهو في سجون الاحتلال أنه يعيش مزاجًا صعبًا للغاية، فلم يكن يتوقع عبد الناصر أن يرفض الاحتلال الإفراج عنه وإبقائه رهن السجن في صفقة الوفاء للأحرار، وكم تمنى أن يحظى بلقاء أخير لوالدته وهي على كرسيها المتحرك لعله يدخل السعادة لقلبها وروحها بعد أن مات زوجها وهُدم منزلها من الاحتلال ولكن قدر الله نافد.
عقلية فذّة وقاهر الشاباك
منذ ولادته في أزقة مخيم بلاطة شرق نابلس بعد عامين من نكسة 67، نشأ عبد الناصر عيسى في بيئة مقاومة، لم تعرف الاستسلام يومًا. عُرف بذكائه الحاد وعقليته الفذّة، حيث استطاع إتقان اللغة العبرية بصورة أذهلت حتى المختصين الإسرائيليين، وكان من أكثر الأسرى شغفًا بالقراءة والمعرفة، إذ يقضي يومه بين الكتب والدوريات العالمية.
أما في ميدان المقاومة، فقد برز كأحد القادة العسكريين المبدعين، حيث اتُّهم بتخطيط وتنفيذ عمليات فدائية نوعية، منها عملية القدس الاستشهادية عام 1995 التي أدت إلى مقتل 9 إسرائيليين وإصابة أكثر من 107 آخرين، بينهم ضباط وجنود. هذا الإنجاز جعله هدفًا رئيسيًا لمخابرات الاحتلال، لكنه صمد أمام محققي الشاباك بأسطورية نادرة، ما أكسبه لقب “قاهر الشاباك”.
عن البطل المحرر، يقول فؤاد خفش: عبد الناصر عيسى مدرسة الصمود في التحقيق، فمن أجله تم وضع قانون إسرائيلي تحت عنوان “(“لوح الزجاج المكسور”)” وأنه يجب انتزاع الاعتراف بالقوة، والسبب أن كل محاولات الاحتلال فشلت معه للكشف عن عملية استشهادية كان من المقرر أن تتم وهو ما كان، وتمت العملية دون انتزاع اعتراف من عبد الناصر ورفيق دربه عثمان بلال.
وأضاف: عبد الناصر عيسى نموذج للفلسطيني الذي لا ينكسر ولا يلين ويقابل الصعاب بابتسامة الواثق، وهو رغم ما مر به من صعاب ومحن ما زال رابضا صابرا متماسكا ينتظر فرج الله ورحمته.
وأشار إلى أن عبد الناصر عيسى منذ أن كان طفلًا كان مقاومًا فقد قالت لي والدته رحمها الله أنه تصدى لدوريات الاحتلال وهو في الخامسة من عمره، حين حضروا لاعتقال والده -رحمه الله-.
وقال: عبد الناصر عيسى أستاذ في كل شيء، متواضع، محبوب، مثقف، متعلّم، أمضى كل عمره في خدمة هذه البلد وهذه الدعوة، فله وعنه وعن هذا النموذج الفريد، أكتب وأخط هذه الكلمات التي لن توفي فارس بوزن وحجم أبي حذيفة.
يذكر أن القائد عبد الناصر، كان كاتبا وسبق أن خص المركز الفلسطيني للإعلام بعشرات المقالات، وكان يكتب تحت اسم ناصر ناصر.
الحرية تُشرق من جديد
اليوم، ومع تحرره من قيود السجن، يعود عبد الناصر عيسى إلى ساحات الحرية التي لم تغادر قلبه يومًا، ليكمل مسيرة النضال والعطاء. إن الإفراج عنه ليس مجرد حدث، بل هو انتصار جديد يضاف إلى سجل الإرادة الفلسطينية، ورسالة واضحة بأن الحرية قادمة رغم أنف الاحتلال.