إسرائيل تخطط لاستئناف إدخال المساعدات إلى غزة: مناورة إنسانية أم خطوة لدرء المحاسبة الدولية؟

في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتدهور الوضع الإنساني إلى حافة الانهيار، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية عن توجه غير مسبوق من الجيش الإسرائيلي نحو استئناف إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع خلال الأسابيع المقبلة، حتى في غياب أي اتفاق لوقف إطلاق النار أو صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس.
هذه الخطوة، التي تأتي في توقيت بالغ الحساسية، تعكس تصاعد القلق داخل المؤسسة العسكرية من تداعيات قانونية وأخلاقية متفاقمة، وسط تحذيرات من "كارثة إنسانية وشيكة" قد تفضي إلى مساءلة دولية مباشرة.
الجيش يتحرك منفردًا: مساعدات تحت إشراف عسكري كامل
بحسب المحلل العسكري يوآف زيتون، فإن قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي تعمل حاليًا على وضع خطة تجريبية لتوزيع الغذاء والدواء والوقود داخل غزة، لكن بشكل "مباشر" وتحت إشراف ميداني كامل من القوات الإسرائيلية، مع مشاركة جنود في عمليات التوزيع.
الخطة ستبدأ في مدينة رفح جنوب القطاع، مع توقعات بعملية برية واسعة النطاق ضد البنية التحتية لحماس.
الجيش يسعى إلى إنشاء مراكز توزيع خاضعة لإدارته لمنع سيطرة حماس أو استفادتها من المساعدات.
الهدف المعلن: تقديم المساعدات مباشرة للسكان المدنيين، لا البنية العسكرية للتنظيم.
تصريحات نارية من سموتريتش
رد وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش جاء سريعًا وغاضبًا، حيث رفض الخطة بشكل قاطع، مهاجمًا المؤسسة العسكرية علنًا. وقال: "اقرأوا شفتي: لن تدخل حبة قمح واحدة إلى غزة تصل إلى حماس"، مضيفًا أن المساعدات أصبحت "أداة لوجستية لدعم حماس".
هذا الانقسام داخل الحكومة الإسرائيلية يعكس حجم التوتر بين الأجنحة السياسية والمؤسسة العسكرية، في وقت تتزايد فيه الضغوط على إسرائيل من المجتمع الدولي ومن داخل جيشها نفسه.
اعتبارات قانونية تفرض التحرك
ما يدفع الجيش الإسرائيلي للتفكير في هذا التوجه الجديد، ليس فقط الاعتبارات الإنسانية، بل التهديدات القانونية الدولية التي تلوح في الأفق. بحسب الصحيفة:
هناك مخاوف من أن استمرار الحصار الكامل سيُعتبر عقابًا جماعيًا، وهو ما يشكل انتهاكًا لاتفاقيات جنيف.
الجهات القانونية في الجيش تخشى أن يطال التحقيق الجنائي الضباط الميدانيين قبل السياسيين.
إدخال المساعدات وفق نموذج خاضع لسيطرة الجيش يُعد محاولة للالتفاف على هذه المحاسبة المحتملة.
ورقة ضغط على حماس في "الحرب النفسية"
تُعتبر الخطة أيضًا جزءًا من استراتيجية إعلامية تهدف إلى ضرب صورة حماس أمام الرأي العام الفلسطيني والدولي. إذ يسعى الجيش إلى:
إظهار إسرائيل كجهة مسؤولة "ترعى المدنيين" في مواجهة "حماس التي لا تكترث سوى بأجندتها".
بث رسائل عبر الإعلام ومنصات التواصل تُظهر الجيش الإسرائيلي كمصدر للغذاء والدواء.
تعزيز قناعة لدى سكان غزة أن بقاء حماس على رأس السلطة يعني استمرار الأزمة الإنسانية.
مخزون غزة يوشك على النفاد
تقرير "يديعوت أحرونوت" يشير إلى أن الأوضاع على الأرض باتت "قاب قوسين أو أدنى من المجاعة"، مع غياب شبه تام لدخول المساعدات منذ انهيار التهدئة الأخيرة. وتشير الاستخبارات الإسرائيلية إلى:
تراجع حاد في مخزون الغذاء والوقود والمياه.
مشاهد لاقتحام مستودعات ومشاجرات على الطحين.
مسؤولون ميدانيون يعتبرون أن "المساءلة حتمية إذا حدثت كارثة ونحن من يتحكم بالوضع".
جدل حول تعريف "الاحتلال"
في موازاة هذا الجدل، تستمر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في رفض وصف الوضع في غزة بأنه "احتلال"، رغم سيطرتها الكاملة على المعابر والمجالين الجوي والبحري. وفقًا للتقرير:
ترى المحكمة العليا الإسرائيلية أن حماس لا تزال السلطة الفعلية، ما يعفي الجيش من التزامات القانون الدولي.
هذا الموقف يمنح الجيش حرية الحركة، لكنه لا يحظى بإجماع دولي، ما يجعل الموقف الإسرائيلي عرضة للطعن في أي محكمة دولية مستقبلًا.
تجربة فاشلة سابقة
التقرير يسلط الضوء على خطأ فادح ارتكبته إسرائيل خلال الهدنة في ديسمبر الماضي:
سمح الجيش بدخول آلاف الفلسطينيين إلى شمال القطاع.
تسلل نحو 20 ألف عنصر من حماس وسط المدنيين.
أدت هذه العودة إلى تقوية صفوف الحركة مجددًا.
الجيش الآن مصمم على ألا يكرر هذا الخطأ، ويصر على أن أي خطة إنسانية لا بد أن تكون مصحوبة بتفتيش صارم وآليات عسكرية مباشرة.
ضغوط دولية بعد مجازر متكررة
التقرير أشار إلى مجزرة وقعت في حي تل السلطان برفح، حيث استُهدفت قافلة طبية تابعة للهلال الأحمر، مما أسفر عن استشهاد 14 من أفراد الطواقم. وقد أثارت هذه الواقعة موجة من الإدانات الدولية، مع ظهور تقارير تتحدث عن مقابر جماعية وجثث مقيدة.
هذه الضغوط تعزز دوافع المؤسسة العسكرية لتقديم مبادرة "إنسانية" تقلل من انتقادات المجتمع الدولي.
الأهداف متعددة... والمأزق مستمر
في المحصلة، فإن التحرك الإسرائيلي لا يمكن فصله عن الأزمة السياسية والعسكرية المستمرة:
الجيش يريد تخفيف الضغط الدولي عن نفسه.
الحكومة تتخوف من منح أي "هدية إنسانية" لحماس.
المجتمع الدولي يضغط لإنهاء الكارثة الإنسانية المتفاقمة.
حماس ترفض أي صفقة لا تتضمن وقفًا كاملًا لإطلاق النار وانسحابًا من غزة.
وتلخص مصادر عسكرية الموقف بالقول:
"نحن عالقون. لا ننتصر عسكريًا، ولا نتقدم سياسيًا، والكارثة تطرق الأبواب. إدخال المساعدات بطريقة مدروسة قد يكون مخرجًا مؤقتًا لكسر هذا الجمود... قبل أن ينفجر في وجه الجميع".