إضراب شامل في فلسطين رفضًا لإبادة غزة: صرخة الشارع أقوى من الصمت

منذ فجر يوم الإثنين، خلت الشوارع في مدن الضفة الغربية والقدس والبلدات العربية داخل الخط الأخضر. المحال التجارية أغلقت، الحافلات توقفت، الجامعات والمدارس خلت من طلابها، وكل شيء بدا وكأنه في حالة توقف مؤقت... لكن في الحقيقة، كان ذلك صوتًا عاليًا لحياة لا تزال تنبض تحت الحصار.
الإضراب الشامل، الذي دعت إليه القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية، جاء كرد مباشر على استمرار آلة القتل الإسرائيلية في قطاع غزة، والتي دخلت شهرها السابع دون توقف، وخلفت عشرات آلاف الشهداء والجرحى والمفقودين. يوم الإضراب لم يكن مجرد تعطيل للحياة اليومية، بل كان تحركًا رمزيًا صاخبًا ضد الصمت الدولي، وضد محاولات تطبيع المجازر.
✊ من دعا للإضراب؟
جاءت الدعوة من الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس، الجبهة الشعبية، فتح، الجهاد الإسلامي وغيرها، وأيدها اتحاد نقابات العمال، واتحاد المعلمين، والعديد من مؤسسات المجتمع المدني. الرسالة كانت موحدة: لا يمكن أن يستمر العمل وكأن شيئًا لا يحدث بينما غزة تُحرق حيّة تحت نيران الاحتلال.
الإضراب شمل كل مدن الضفة الغربية (رام الله، نابلس، الخليل، طولكرم، جنين...)، والقدس، بالإضافة إلى الداخل المحتل (الناصرة، أم الفحم، سخنين وغيرها). لم يكن قرار الإغلاق إجباريًا، لكنه جاء كردّ عفوي أيضًا من المجتمع الذي وجد في هذا اليوم فرصة لقول كلمته.
⏱️ لماذا الآن؟
الإضراب جاء بعد تصعيد إسرائيلي جديد في مخيمات رفح ودير البلح ووسط القطاع، حيث قُصفت مدارس ومستشفيات ومنازل بشكل مباشر. كما أنه جاء متزامنًا مع حالة خنق إنساني، بعد إغلاق المعابر ورفض دخول المساعدات الغذائية والطبية، مما ينذر بكارثة مجاعة.
في ذات الوقت، كان هناك تواطؤ دولي وصمت من قِبل مؤسسات كبرى، مثل مجلس الأمن والأمم المتحدة، رغم صدور تقارير عن جرائم حرب. لذا، رأت الفصائل أن الضغط الشعبي يجب أن يتحرك من جديد، وهذه المرة بصيغة رمزية تفرض نفسها على المشهد.
🧑🎓 دور الشباب والجامعات
الجامعات الفلسطينية لعبت دورًا محوريًا في إنجاح الإضراب. طلاب بيرزيت، النجاح، خضوري، والقدس أعلنوا التزامهم الكامل، بل ونظّموا وقفات تضامنية رقمية على منصات التواصل الاجتماعي. نشر طلاب عشرات الفيديوهات والملصقات التي توثق المجازر في غزة، تحت وسم #غزة_تحت_الإبادة.
بعض الجامعات حتى نظّمت جلسات نقاش طلابية أونلاين حول أدوات الضغط الشعبي في زمن التطبيع، مؤكدين أن الإضراب هو فقط بداية لسلسلة تحركات أكبر خلال رمضان وعيد الفطر.
الشباب أيضًا ساهموا بتوثيق مشاهد الإضراب عبر فيديوهات وتغطيات مباشرة من الشوارع، وأطلقوا حملات إلكترونية لتسليط الضوء على أكاذيب الإعلام الإسرائيلي.
🧠 الرسائل السياسية
رسالة هذا الإضراب واضحة: الصمت ليس خيارًا. عندما يغلق الفلسطينيون أبوابهم ليوم كامل، فهم لا يهربون من الواقع، بل يصنعون واقعًا بديلًا من الرفض، من الصوت الجمعي، من الموقف الأخلاقي.
الإضراب هو رفض للتطبيع، وللإعلام الذي يزيّف الرواية، وللسياسيين الذين يقفون على الحياد بينما تسيل دماء الأطفال. إنه إعلان فلسطيني جماعي يقول: "نحن شعب واحد، وجريمة ضد جزء منا هي جريمة ضدنا جميعًا."
كما أن هذا التحرك يحرج كثيرًا من الحكومات في العالم العربي والإسلامي، خاصة تلك التي التزمت الصمت أو وقفت مع الاحتلال ضمنيًا، تحت ذريعة “الواقعية السياسية”.
🌍 ردود الفعل الدولية والعربية
في لبنان، نظّمت مظاهرة شبابية أمام السفارة الأمريكية في بيروت تأييدًا للإضراب. في الأردن، شارك العشرات من الطلبة في وقفة تضامنية داخل الجامعة الأردنية. أما في أوروبا، فقد دعا نشطاء في لندن وباريس إلى يوم توعية بالتزامن مع الإضراب الفلسطيني.
حتى في الولايات المتحدة، استخدم ناشطون من الجاليات العربية هاشتاغ #PalestinianStrike ليشرحوا للجمهور الأمريكي ما يحدث في غزة، وكيف أن الإبادة تُرتكب بصمت دولي.
🧭 هل هذا الإضراب مؤثر فعلاً؟
قد يتساءل البعض: هل يمكن ليوم إضراب واحد أن يوقف آلة الحرب؟ الجواب الواقعي هو لا. لكن الجواب السياسي والرمزي هو نعم. لأن الإضراب اليوم هو أداة ضغط شعبي تسلط الضوء على حجم الألم، وتقول للعالم: الشعب الفلسطيني لن يصمت، ولن يسمح بمرور هذه الجريمة دون مقاومة.
الإضراب لا يوقف القصف، لكنه يكسر الصمت، ويعري الاحتلال، ويعزز صمود الناس. والأهم أنه يذكّر الفلسطينيين أنفسهم بوحدتهم، حتى في ظل الانقسام السياسي.