فضيحة "الدرونز": كيف شاركت فرنسا في إبادة غزة؟

في زمن يسهل فيه تتبع كل حركة عبر الأقمار الصناعية، لم تكن غزة وحدها تحت نيران الاحتلال، بل تحت عيونٍ ترسل الصور وتُحلّل الأهداف من خلف الشاشات.
لكن المفاجأة ليست فقط في وجود طائرات استطلاع بدون طيار... بل في كون بعضها يحمل توقيعًا فرنسيًا.
تقرير استقصائي كشف أن فرنسا قدّمت، عبر شركة دفاعية تعمل بشكل مشترك مع تل أبيب، أنظمة مراقبة جوية متطوّرة، استُخدمت في تحديد أهداف داخل قطاع غزة خلال الحرب الجارية. هذا الكشف، الذي تم عبر تسريبات حصلت عليها جهات حقوقية أوروبية، سرعان ما تحوّل إلى فضيحة سياسية وإعلامية في باريس.
🛩️ ماذا كشفت "فضيحة الدرونز"؟
وفق التسريبات، فإن شركة فرنسية - لم تُذكر بالاسم لأسباب قانونية - قامت بتحديث أنظمة طائرات بدون طيار من طراز "هيرميس" الإسرائيلية، باستخدام تقنيات فرنسية خالصة، من بينها:
أجهزة استشعار فائقة الدقة
برمجيات لتحليل حركة الأفراد والحرارة
دعم بتقنيات الذكاء الاصطناعي لتمييز الأهداف
هذه الطائرات، بحسب الوثائق، حلّقت فوق مناطق سكنية في رفح، خانيونس، وغرب غزة، وتمّ عبرها تحديد "أهداف تكتيكية"، شملت منازل، مستشفيات، وأحيانًا سيارات إسعاف، على أنها "أماكن مشتبه بها" تم قصفها لاحقًا.
🇫🇷 فرنسا في وجه العاصفة
الفضيحة ضربت صورة فرنسا كدولة تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، وسبّبت إحراجًا بالغًا للرئيس إيمانويل ماكرون الذي سبق وأدان "العنف ضد المدنيين". وتعرّضت الحكومة الفرنسية لانتقادات واسعة من داخل البرلمان الأوروبي، ومنظمات حقوقية عالمية، بينها "هيومن رايتس ووتش"، التي طالبت بفتح تحقيق فوري.
في الشارع الفرنسي، انتشرت الوسوم #فرنسا_شريكة و#DroneLeaks، وقاد نشطاء فلسطينيون وفرنسيون تظاهرات أمام شركة السلاح المتورطة، مطالبين بوقف تصدير التقنيات العسكرية لدول تمارس جرائم حرب.
ماكرون حاول احتواء الأزمة بتصريح غامض قال فيه:
"فرنسا ملتزمة بالقانون الدولي الإنساني، وإذا ثبت أي استخدام غير مشروع لتقنيات فرنسية، سنرد بحزم".
لكن الردّ لم يقنع أحدًا، خاصة وأن تقريرًا قديمًا من البرلمان الفرنسي كان قد حذّر في 2023 من "غموض في طبيعة بعض صادرات الأسلحة".
🔥 ماذا يعني ذلك لغزة؟
في الميدان، لا شيء تغيّر: القصف مستمر، والضحايا بالعشرات كل يوم.
لكن هذه التسريبات أعادت تسليط الضوء على أن الجرائم المرتكبة لا تنفَّذ فقط بأيدٍ إسرائيلية، بل بأدوات وتكنولوجيا من دول تدّعي الحياد أو الدعم الإنساني.
أحد نشطاء غزة كتب عبر تليغرام:
"الذين يضغطون الزناد ليسوا وحدهم من يقتلوننا… الذين يبيعون لهم العيون يشاركون في الجريمة".
🌍 الصدمة في العالم العربي
تلقى الشارع العربي الخبر بغضبٍ واسع. في الجزائر وتونس والمغرب، انتشرت دعوات لمقاطعة المنتجات الفرنسية، فيما نشرت منصات عربية تقارير بعنوان:
"فرنسا لا تبيع العطور فقط… بل تبيع أدوات الإبادة".
في الأردن، أصدرت نقابة المهندسين بيانًا يطالب الحكومة بإلغاء عقود دفاعية مع فرنسا، فيما طالبت حملة "BDS" الجامعية في لبنان بوقف التعاون الأكاديمي مع الجامعات الفرنسية المتورطة في صناعة التكنولوجيا العسكرية.
حتى في الخليج، الذي تربطه بفرنسا علاقات تسليحية واسعة، خرجت تعليقات حذرة على المنصات تتساءل: "هل علينا إعادة النظر في شراكتنا مع من يساعد في قتل الأبرياء؟"
🧠 تحليل سياسي وأخلاقي
تُعد هذه الفضيحة تحولًا مهمًا في نظرة العالم نحو "شركاء الاحتلال". فبينما كانت فرنسا تحاول لعب دور الوسيط، انكشف أنها أحد الداعمين تكنولوجيًا لمخططات الاستهداف.
سياسيًا، سيكون من الصعب على باريس الحفاظ على صورة "الدولة العادلة" في المحافل الدولية. وأخلاقيًا، السؤال بات مطروحًا:
هل يمكن أن تدين ما تستخدمه دولتك في القتل؟
هناك ضغط متزايد على المجتمع الدولي لوقف تصدير تقنيات قد تُستخدم في الانتهاكات، خصوصًا في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي التي سهّلت تعقّب المدنيين وتصنيفهم كأهداف عسكرية.
📱 الإعلام الرقمي يتدخل
لم تأخذ وسائل الإعلام الفرنسية الكبرى زمام المبادرة في كشف الفضيحة. لكنها لم تفلت من قبضة الناشطين.
منصة X (تويتر سابقًا) شهدت آلاف التغريدات تحت وسم #DroneLeaks، شارك فيها صحفيون مستقلون ومهندسون وتقنيون شرحوا كيف تُستخدم تقنيات "صنع في أوروبا" في حرب تُصنّف كإبادة جماعية.
كما انتشرت مقاطع فيديو تشرح النظام الفرنسي المستخدم، وتُبيّن كيف يمكن تعقّب الأشخاص خلال ثوانٍ، باستخدام حرارة أجسادهم أو حتى عدد خطواتهم.
🧭 ماذا بعد؟
الضغط الآن على فرنسا كبير جدًا.
نشطاء من داخل فرنسا يجهّزون لحملة قضائية لرفع دعاوى ضد الحكومة وضد الشركة المصنعة، استنادًا إلى قوانين أوروبية تمنع تصدير التكنولوجيا لأغراض قمعية أو عسكرية في مناطق النزاع.
البرلمان الأوروبي بدوره سيعقد جلسة طارئة هذا الأسبوع لمناقشة الموضوع، وسط دعوات لفرض عقوبات على الشركة ووقف تصدير أي تقنية مزدوجة الاستخدام.
في المقابل، إسرائيل لم تعلّق رسميًا على الفضيحة، لكنها نشرت فيديو دعائيًا لطائرات "هيرميس" تحت عنوان "شركاؤنا في الدقة"، ما اعتُبر تحديًا واستفزازًا.