حرية الحجاب في إيران.. صراع بين الساسة الإصلاحيين والمحافظين

ملخص :
رفض الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، تنفيذ قانون العفاف والحجاب الذي أقره البرلمان، ففي مارس الماضي، رفض بزشكيان تطبيق القانون، بعدها أحالت الحكومة في ديسمبر الماضي مشروعه إلى المجلس الأعلى للأمن القومي لوقف تنفيذه، بسبب تداعياته على الأمن والاستقرار، وسط جدل واسع وانقسام بين السياسيين ورجال الدين والمجتمع المدني.
تعليق تنقيذ قانون الحجاب
وبموجب ذلك، أعلن مجلس الأمن القومي تعليق تنفيذ القانون الذي كان قد أقره الرئيس السابق، إبراهيم رئيسي قبل وفاته في حادث الطائرة، وهو القرار الذي أيده بزشكيان، المعروف بموقفه الرافض للعنف ضد المرأة منذ ترشحه للرئاسة، ما أسهم في تخفيف القيود عن النساء الإيرانيات.
مطالبات متكررة بالحرية وتراجع السلطة الدينية
على مدار السنوات الماضية، شهدت إيران حركات رفضت القيود المشددة المفروضة على حرية المرأة، خصوصًا تلك المتعلقة بالقوانين الدينية التي كانت تقيد المجتمع وفرضت ارتداء الحجاب، وأحدثت تصريحات محمد رضا باهنر النائب السابق لرئيس البرلمان، وعضو "مجمّع تشخيص مصلحة النظام"، حين قال إن القيود القانونية لفرض الحجاب "لم تعد قائمة"، مشيرا إلى أن اللائحة التي كانت تمنح الأجهزة التنفيذية صلاحية فرض العقوبات لم تعد قابلة للتطبيق بعد قرارات المجلس الأعلى للأمن القومي.
وأوضح باهنر أن "الإلزام القانوني أو الغرامات أو الإجراءات الأمنية لم يعد لها سند قانوني"، مضيفا أن "الإكراه في الحجاب لا يمكن أن يُنتج التزاما حقيقيا أو استقرارا اجتماعيا"، مشيرا إلى أن 10% فقط من سكان إيران متدينون محافظون، بينما يسعى 90% إلى العيش الطبيعي وبناء مستقبلهم دون قيود.
معارضة المحافظين وتصاعد الجدل
هذه التصريحات قوبلت بردود فعل عنيفة من المحافظين، إذ تساءل حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة كيهان المقربة من مكتب المرشد الإيراني، عن حدود التحلل من الحجاب، معتبرًا أن الأمر يحتاج لتوضيح من قبل باهنر حول التوافق مع القوانين والشرع، ناشرا مقالا شديد اللهجة دعا فيه باهنر إلى "توضيح مواقفه التي تتنافى مع القوانين والمبادئ الإسلامية" متسائلا "كيف يقول شخص جلس لسنوات على كرسي نائب رئيس البرلمان إن الحجاب لم يعد له أساس قانوني؟".
جذور القضية التاريخية
تعود قضية الحجاب في إيران إلى ثمانينيات القرن التاسع عشر، عندما فرضه الشاه ناصر الدين شاه القاجاري التشادور على النساء بعد تأثره بالموضة الباريسية، وفي عهد الشاه رضا بهلوي، سعى إلى تحديث إيران وتغريب المجتمع، فأصدر قانون "كشف الحجاب" عام 1928، ما أتاح للنساء الظهور في الأماكن العامة دون حجاب، رغم معارضة رجال الدين.
لكن بعد الثورة الإيرانية، لم تلزم الحكومة الإسلامية المرأة بالحجاب، رغم اتساع الجدل حول الالتزام بالقيم الدينية، وتفاوت مواقف التيارات السياسية، خصوصًا الإصلاحيين الذين دعموا الحجاب في البداية، بينما تصاعدت مطالب الأصوليين بتطبيقه إجبارياً في منتصف الثمانينيات بعد حرب إيران-العراق.
انفجار الاحتجاجات بعد مقتل مهسا أميني
ظل نظام الحجاب صامدًا حتى حادثة مقتل مهسا أميني عام 2022، بعدما ألقت شرطة الأخلاق القبض عليها في طهران بسبب "زيها غير المناسب"، وأثارت هذه الحادثة احتجاجات واسعة ضد القيود المفروضة على المرأة، ونتيجة لذلك، أصدر خامنئي قراراً بإلغاء شرطة الآداب ودوريات الإرشاد، ما أسهم في اختفاء الرقابة الرسمية على الشارع الإيراني.
وفي 2023، أعاد الرئيس السابق إبراهيم رئيسي طرح مشروع قانون مشدد لدعم الأسرة وتعزيز "ثقافة العفة والحجاب"، واشتمل على قيود صارمة على ملابس النساء، بما في ذلك عقوبات السجن والغرامات وحظر السفر، إلا أن وفاة رئيسي قبل تنفيذ القانون أعادت الأمور إلى المربع الأول مع تولي مسعود بزشكيان السلطة، الذي أبقى القانون معلقًا بسبب تداعياته الاجتماعية المحتملة.
التسامح الرسمي ومرونة المجتمع
بعد حرب الـ 12 يومًا مع إسرائيل، والتي كشفت هشاشة النظام أمنياً، خلصت القيادة الإيرانية إلى أن المواطنين لم يشاركوا في احتجاجات، بل صمدوا وتوحدوا، مما منع انهيار النظام في لحظة ضعفه، وعزز هذا الاستنتاج مؤشرات التسامح الرسمي تجاه مظاهر التحرر الاجتماعي، وفتح المجال أمام تغييرات تدريجية في ممارسات النساء وحرية المجتمع المدني.
تناقض وواقع متباين
وفي نفس الوقت تستمر السلطات بملاحقة بعض الفعاليات التي تتحدى التقييد الصارم، كما حدث في فعالية محلية بجزيرة "كيش" التي حملت عنوان "حفلة القهوة"، إذ تم اعتقال عدد من الشباب، وإغلاق بعض المقاهي، مما يعكس استمرار التناقض بين الخطاب الرسمي الإصلاحي والواقع الأمني الميداني، وأظهرت مشاهدات ميدانية أن النساء غير المحجبات يزداد عددهن في المدن الكبرى، مع تراجع الردود الحكومية المباشرة على بعض المخالفات، فيما تظل مناطق أخرى أكثر التزاما، مما جعل هناك واقعا متباينا بين المدن الكبرى والمناطق المحافظة.
التطورات الأخيرة في إيران تؤكد أن قضية الحجاب لم تعد مسألة إلزامية، وأن المجتمع بدأ يستعيد حرياته تدريجيًا، بعد عقود من القيود الصارمة، وتظل البلاد أمام تحدٍ كبير في موازنة التقاليد الدينية مع متطلبات الحرية الاجتماعية، فيما يراقب العالم عن كثب هذه التحولات التاريخية التي قد تعيد تعريف دور المرأة الإيرانية في المجتمع.





