الذكاء الاصطناعي: أداة مبتكرة أم مغير شامل لحياتنا؟

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة؛ أصبح رفيقًا يوميًا يرافقنا في الدراسة، العمل، والإبداع، من ابتكار الأفكار إلى صناعة الفن والموسيقى، يفتح أمامنا آفاقًا جديدة، لكنه أيضًا يطرح أسئلة عن تأثيره على تفكيرنا وتواصلنا البشري.

ما هو الذكاء الاصطناعي؟

هو تقنية تحويلية تمكن الآلات من أداء مهام وحل المشكلات بطريقة تشبه طريقة تفكير البشر، من التعرف على الصور وإنشاء محتوى إبداعي إلى وضع تنبؤات تعتمد على البيانات، كما أنه يعمل على تمكين الشركات من اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً على نطاق واسع.

هل الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة، أم أنه يغيّر حياتنا كلها؟

يعد الذكاء الاصطناعي أداة ومغيرًا في الوقت ذاته، فهو يساعد الإنسان في العديد من الأمور مثل تحليل البيانات بسرعة وبدقة، ويوفر الوقت، ويعزز الإبداع من خلال تقديم مقترحات وأفكار جديدة، كما يساعد في العمل، أو في قراءة التقارير الطبية، ويعتمد عليه العديد من الطلاب في الأمور الدراسية، مثل حل الواجبات المنزلية وطلب أفكار لمشاريع جامعية أو مدرسية، بالإضافة إلى ذلك، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة في صناعة المحتوى وتعديل الصور.

يُعد الذكاء الاصطناعي مغيرًا، لكنه ليس كذلك بالكامل؛ فهو في النهاية من صنع الإنسان، يمكنه أن يساعدنا في تسهيل بعض الأعمال، لكنه لا يمتلك القدرة على تغيير كل ما يحيط بنا، يبدأ التغيير الحقيقي عندما يعرف الإنسان كيفية استخدامه ودمجه في حياته وعمله، وكيفية مواجهة تحدياته.

استخدام الذكاء الاصطناعي في الرسم الموسيقى والكتابة

منذ القدم، لطالما عبّر الإنسان عن تجربته الإبداعية الفردية أو الجماعية من خلال الخيال والثقافة والمشاعر، ففي العصور القديمة، كان الإنسان يبدع في الرسم على جدران الكهوف، وابتكر الأساطير والشعر والموسيقى كتعبير عن هويته، وفي وقتنا الحاضر، لا يمكن إنكار دور تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تمكّن المبدعين من تجاوز الأساليب التقليدية وتوفر أدوات متنوعة مثل برامج التصميم التوليدي للمصممين والفنانين بإمكانات شبه لا نهائية، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون امتدادًا لأدوات الإنسان، ويساعده على اكتشاف طرق جديدة للتعبير والإبداع، مثل:

• تطبيق ChatGPT: يساعد في تطوير وكتابة أفكار أولية تسهّل عملية الكتابة.
• الفن الرقمي: روبوت الرسام AI Painter الذي أنتج لوحات بيعت بآلاف الدولارات في مزادات عالمية.
• الموسيقى: برنامج AIVA الذي يؤلف مقطوعات موسيقية مخصصة للأفلام والألعاب، ولاقى إعجابًا في الأوساط الفنية.
• الأدب: رواية The Road التي أُلفت بالتعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، مستلهمة من رواية On the Road للكاتب جاك كيرواك.

الذكاء الاصطناعي والتعليم 

يساعد الذكاء الاصطناعي الطلاب على التعلم بشكل فردي ومرن من خلال أدوات وبيئة تعليمية ذكية تتكيف مع كل شخص حسب مستواه، تقوم هذه الأنظمة بتحليل تقدم الطالب وتفاعله مع الدروس، وتقدّم له مواد تعليمية وتمارين مناسبة لقدراته، وتقترح موضوعات جديدة لدعمه في التطور، كما يوفر الذكاء الاصطناعي ملاحظات فورية تساعد الطالب على تحسين أدائه وتشجعه على التعلم الذاتي، دون الحاجة للانتظار دائمًا لتوجيه المعلم.

قد يتحوّل الذكاء الاصطناعي إلى عائق في التعليم إذا تم الاعتماد عليه بشكل مفرط، إذ يمكن أن يؤدي ذلك إلى فقدان التواصل الإنساني بين المعلمين والطلاب، مما يؤثر سلبًا على مهارات التواصل الاجتماعي ويحدّ من قدرة الطالب على حل المشكلات، لأنه لم يعد يعتمد على تفكيره الذاتي، من جهة أخرى، قد يعزّز الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي الفجوة الرقمية بين الطلاب، حيث يتمتع بعضهم بإمكانية وصول أفضل للتكنولوجيا مقارنة بالآخرين.

من مميزات الذكاء الاصطناعي في التعليم 

• توفير الوقت والجهد.
• تسهيل الوصول إلى المادة التعليمية.
• تخفيف بعض الأعباء على المعلمين.

من سلبيات الذكاء الاصطناعي في التعليم 

• فقدان التواصل الإنساني: يقلّل استخدام الذكاء الاصطناعي التفاعل بين الطلاب والمعلمين، ويؤثر سلبًا على تطوير المهارات الاجتماعية والعاطفية، مما يحدّ من تقديم الدعم اللازم للطلاب.
• الاعتماد المفرط على التكنولوجيا: الإفراط في استخدام الذكاء الاصطناعي قد يضعف قدرة الطالب على التفكير النقدي والتحليلي وحل المشكلات، كما يقلّل من مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي.

دراسة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يضعف التفكير 

جمعت دراسة للمكتبة الوطنية الأمريكية استطلاع رأي شمل 285 طالبًا، ووجدت أن 68.9% من حالات الكسل و27.7% من سوء صنع القرار كانت نتيجة استخدام الذكاء الاصطناعي، واستخدم معظم الطلاب أدوات الذكاء الاصطناعي في جمع وتحليل البيانات، والإجابة عن الأسئلة، وأتمتة المهام، كما وجدت الدراسة أدلة متعددة تدعم حقيقة أن الذكاء الاصطناعي يؤثر سلبًا على تنمية مهارات التفكير النقدي والاعتماد على الذات.

ونظرت الدراسة إلى هذا الموضوع من منظور طبي، وتبين أنه كلما زاد استخدام الأشخاص للآلات مثل "شات جي بي تي" في التفكير نيابة عنهم، زاد اعتمادهم على هذه الأدوات، وهذا الاعتماد يؤثر سلبًا على عمليات الإدراك في الدماغ، كما أن استخدام الذكاء الاصطناعي للحصول على الإجابات بدل بذل الجهد في التفكير والتجربة يقلل من "الاحتياطي المعرفي"، ويؤثر على الترابط بين خلايا الدماغ السليمة، مما يؤدي في النهاية إلى دماغ أقل مرونة في حل المشكلات والتكيف مع التحديات.

تأثير الذكاء الاصطناعي على العلاقات الاجتماعية 

يُستخدم الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، ومع ظهور أدواته التي تحاكي الإنسان بدأنا نلاحظ اختلافًا في الطريقة التي يتواصل بها الأشخاص مع بعضهم البعض، فقد وجدت بعض الأبحاث أن المستخدمين يقضون وقتًا كبيرًا في محادثة روبوتات الدردشة، أو "الرفقاء الافتراضيين"، الذين يقدمون لهم الدعم العاطفي أو الاجتماعي، ومع ذلك، قد لا يُعوّض هذا النوع من التفاعل البشري الحقيقي.

على سبيل المثال، أظهرت دراسة "صديقي الذكي: كيف يفهم مستخدمو روبوت الدردشة الاجتماعية صداقتهم بين الإنسان والذكاء الاصطناعي" أن الأشخاص الذين يشكّلون صداقات مع روبوتات الدردشة يقدّرون فيها بعض جوانب العلاقة كأنّها "شخصية مخصصة تناسب احتياجاتهم"، لكنهم في المقابل يعترفون بأن طبيعة هذه العلاقة تختلف جوهريًا عن الصداقة بين البشر.

وفي سياق آخر، وجدت دراسة بعنوان (تأثير السيف ذو الحدّين لتكرار التفاعل مع الذكاء الاصطناعي على طلاب الجامعات) أن التفاعل المستمر والمتكرّر مع الأنظمة الذكية قد يُضعف المهارات الاجتماعية الحقيقية، خصوصًا عندما يقلّ التواصل الواقعي اليومي مع الأصدقاء أو أفراد العائلة

إيجابيات الذكاء الاصطناعي

لكن تأثير الذكاء الاصطناعي ليس دائمًا سلبيًا؛ فإذا استُخدم بطريقة ذكية، يمكن أن يساعد فعليًا في تعزيز التواصل بين الأشخاص، فبعض الشباب، مثلًا، يستخدمونه للمساعدات الافتراضية لتعلّم كيفية بدء المحادثات أو تطوير مهارات اجتماعية، ثم يطبقون هذه المهارات في حياتهم الواقعية، ومع ذلك، يجب الانتباه، لأن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي بدل الإنسان قد يقلّل من التفاعل الحقيقي والتعاطف بين البشر، ويجعل البعض يشعر بالعزلة، فالذكاء الاصطناعي قادر على تقليد التواصل، لكنه لا يستطيع تعويض حضور الإنسان ومشاعره.

الذكاء الاصطناعي يفتح أمامنا آفاقًا لا حدود لها للإبداع والتعلم، لكنه في الوقت نفسه يضعنا أمام تحديات حقيقية في التفكير والتواصل، فهل سنتمكّن من استخدامه بحكمة لتعزيز قدراتنا، أم سيصبح الاعتماد المفرط عليه جزءًا من حياتنا يغيّر الطريقة التي نفكر ونتواصل بها؟