الجنوب اللبناني: حرب من جانب واحد والرئيس عون يؤكد انتهاء "حزب الله العسكري"

ملخص :
مع مرور نحو عام على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، يبدو أن الهدنة لم تُترجم على الأرض إلى واقع فعلي، فمنذ اللحظة الأولى، تعاملت إسرائيل مع الاتفاق وفق ما أسمته "حرية الحركة"، مستندة إلى تفسيرها الخاص لمفهوم التهديد الأمني، وهو ما فتح المجال لسلسلة من الغارات والقصف داخل القرى الجنوبية للبنان، دون أي ردع من الدول الضامنة للاتفاق.
بينما يحافظ "حزب الله" على التزامه بالاتفاق وآليات المراقبة المنصوص عليها في القرار 1701، مطالبًا المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لالتزامها بتطبيق الاتفاق من جهتها.
جدار إسمنتي وخطوط جديدة على الأرض
من أبرز التطورات الأخيرة في الجنوب اللبناني، شروع إسرائيل ببناء جدار إسمنتي قرب بلدة يارون، وقد تجاوز الخط الأزرق، وأدى إلى استقطاع جزء من الأراضي اللبنانية.
المراقب للوضع على أرض الواقع يجد أن الجدار خطوة تهدف إلى إعادة رسم الحدود، وفرض معايير جديدة لقواعد الاشتباك، وتحجيم "حزب الله" من دون مواجهة مباشرة، فالجدار -الآن- لم يعد مجرد تحصين عسكري، بل أصبح أداة سياسية وأمنية، تُستغل للضغط على لبنان ودفعه إلى تفاوض غير مباشر تحت وطأة الوقائع الميدانية.
استهداف اليونيفيل: تحدٍّ جديد للمجتمع الدولي
لا تقتصر خروقات الإسرائيليين على أعمال بناء الجدار، بل تمتد لاستهدفت قوات اليونيفيل، الأمر الذي اعتُبر تحوّلًا كبيرًا في سلوكها، فهي لم تعد تعتبر القوة الدولية مجرد وسيط للتهدئة، بل تعتبرها عائقا أمامها، ففي الاستهداف الأخير لقوات اليونيفيل بقيت الدورية محاصرة لأكثر من نصف ساعة، ما يشير إلى أن الاستهداف كان متعمدًا.
حرب أحادية الجانب
منذ عام تقريبا لم يُسجّل أي نشاط عسكري لـ "حزب الله" في الجنوب، رغم استمرار الغارات الإسرائيلية، ما يجعل المواجهة الحالية حربًا من طرف واحد تهدف لتغيير البيئة الجنوبية، وإعادة هندسة الواقع الجنوبي، وتعديل الحدود، بالإضافة إلى فرض معايير جديدة للاعتراض، وتغيير قواعد الانتشار من دون مواجهة شاملة.
ويبقى لبنان الرسمي وحكومته على المسار الدبلوماسي، حيث رفعت وزارة الخارجية شكوى لمجلس الأمن تطالب بالضغط على إسرائيل لوقف الانتهاكات، لكن التجارب السابقة تشي إلى محدودية أثر هذه الخطوات، إذ غالبًا ما يقتصر الرد الدولي على تسجيل الانتهاكات والاستنكار دون قدرة على الردع الفعلي.
إلغاء زيارة قائد الجيش إلى واشنطن
قبل أكثر من أسبوع، وجه الرئيس اللبناني الجيش للرد على أي توغل للجيش الإسرائيلي في الجنوب، ورغم كل انتهاكات إسرائيل لم يحث أي رد عسكري رسمي، لكن الرد جاء فقط بالإدانة، حيث أصدر الجيش أصدر بتاريخ 16 نوفمبر الجاري بيانا، قال فيه: "يصرّ العدو الإسرائيلي على انتهاكاته للسيادة اللبنانية، مسببا زعزعة الاستقرار في لبنان، ومعرقلًا استكمال انتشار الجيش في الجنوب"، مضيفا "آخر هذه الاعتداءات المدانة استهدافه دورية لقوة اليونيفيل، تؤكد قيادة الجيش أنها تعمل بالتنسيق مع الدول الصديقة على وضع حد للانتهاكات والخروقات المتواصلة من جانب العدو الإسرائيلي، التي تستلزم تحركا فوريا كونها تمثل تصعيدا خطيرا".
حتى هذا الرد لم يمر مرور الكرام، إذ كشفت وسائل إعلامية لبنانية أنه تم إلغاء زيارة قائد الجيش العماد رودولف هيكل الى واشنطن التي كانت مقررة، اليوم الثلاثاء، بسبب البيان الأخير للجيش اللبناني الذي هاجم فيه إسرائيل.
وقالت قناة الـMTV إن الإدارة الأمريكية ألغت كل الاجتماعات التي كانت مقررة اليوم لقائدِ الجيش كما ألغت السفارة اللبنانية في واشنطن حفل الاستقبال الذي كان معدا على شرفه، كاشفة أن "السبب المباشر لإلغاء الزيارة هو الاعتراض الأمريكي على البيان الأخير للجيش اللبناني، الذي استعمل بحسب الإدارة للوم إسرائيل واعتبارها المشكلة وعدم لوم "حزب الله"، في وقت تعتبر فيه إسرائيل حليفا أساسيا للولايات المتحدة التي تقدّم الدعم الأكبر للمؤسسة العسكرية اللبنانية".
وأفادت بأن "هذا البيان أشعل غضبا لدى عدد من أبرز أعضاء الكونغرس، وفتح نقاشا داخليا حول مستقبل المساعدات للبنان"، مبينة أنه تم تحويل الملف وما جرى مباشرة إلى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، وأصبح في عهدته داخل وزارة الخارجية واللجان المختصة، نظرا لدوره المركزي في إعادة صياغة السياسة الأمريكية تجاه لبنان، خصوصا فيما يتعلق بالمساعدات العسكرية.
دعوات الوحدة السياسية وتحديات الانقسام الداخلي
بالتزامن مع كل ما يحدث دعا رئيس مجلس النواب، نبيه بري، القوى السياسية اللبنانية إلى التوحد لمواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، لكن الانقسام الداخلي -وهو حالة لبنانية متجذرة- حول قضايا الأمن والحدود وقواعد الاشتباك يضعف من فاعلية هذه الدعوات.
تصريحات الرئيس جوزيف عون الأخيرة
في مقابلة مع "أساس ميديا"، أكد الرئيس جوزيف عون أن "حزب الله بشقّه العسكري انتهى"، مشيرًا إلى أهمية الوصول إلى مخرج تفاوضي يحفظ كرامة الدولة والمواطنين بعيدًا عن الصخب السياسي والشعبوي.
وعن دور الجيش اللبناني وسلاح الدولة، قال عون: "نحن نعمل بصبر وحكمة.. حصر السلاح وحصر القرار هو أساس قيام الدولة"، مؤكدًا أن الجيش يمتلك الشرعية والاحتضان الشعبي، وأن الدولة ستفرض نفسها على كل بقعة من الأرض اللبنانية"، مضيفا "عاهدتكم أن يكون الجيش مطلق اليدين في الجنوب وفي غيره، وسنصل في نهاية المطاف إلى الدولة القوية التي نحلم بها".
إن المشهد الحالي في الجنوب اللبناني يُعبّر عن حرب صامتة، تسعى فيها إسرائيل لإعادة رسم الواقع على الأرض تدريجيًا دون مواجهة عسكرية مباشرة، في حين يلتزم لبنان الرسمي بالقنوات الدبلوماسية والقانونية، ويمثل الجدار الإسرائيلي واستهداف اليونيفيل تحولًا نوعيًا في قواعد الاشتباك، فيما تصريحات الرئيس عون تؤكد التزام الدولة بتعزيز سيادتها وحصر السلاح بيدها، مع الاستعداد للتفاوض والسيطرة على الأرض في مواجهة أي استحقاق مستقبلي.





