بعد اعتراف مدير الـ (CIA) السابق بتعاطيه الحشيش في القاهرة.. ما قصة الحشيش في مصر؟

ملخص :
أوضح برينان، خلال مقابلة أجريت معه في برنامج "الصندوق الأسود"، أنه كان يدخن الشيشة التي تحتوي على الحشيش أثناء تجواله في شوارع القاهرة، خصوصًا في خان الخليلي وسوق الذهب، مشيرا إلى أنه بدأ أيضًا بتدخين السجائر خلال تلك الفترة، لكنه أقلع عن هذه العادة منذ زمن طويل، موضحًا أن الحشيش غالبًا ما كان يُخلط مع التبغ داخل السجائر.
وأضاف أن هذه التجربة كانت تتم برفقة أصدقائه المصريين والأجانب، وكانت جزءًا من الثقافة الاجتماعية السائدة حينها، حيث كان الشباب يلتقون كل ليلة خميس في وسط المدينة لتدخين الحشيش وممارسة اللغة العربية.
بداية ظهور الحشيش وانتشاره بين الناس
يعود أول ظهور للحشيش إلى القرن الخامس الهجري على يد فرقة الحشاشين، وهي مجموعة اشتهرت بالاغتيالات والتخريب، لكن الانتشار بين عامة الناس بدأ في القرن السابع الهجري، حين استخدمه الفقراء والدراويش، وكان يُعرف باسم "حشيشة الفقراء"، وأدى عدم وجود نص صريح يحرم الحشيش إلى تزايد استخدامه.
أحد الدراويش، الشيخ حيدر، روّج لاستخدام الحشيش للفقراء، مشيرًا إلى أنه يحفز الذكر والفكر ويساعد على السير في الطريق الروحي، ما ساعد على انتشاره تدريجيًا بين فئات المجتمع المختلفة.
الحشيش في عهد المماليك
في عصر المماليك، كان تعاطي الحشيش شائعًا لدرجة أثارت غضب السلطان بيبرس، الذي أمر بمحاربته ومعاقبة من يتعاطاه، ويرجع سبب ذلك جزئيًا إلى الظروف العسكرية المضطربة التي كانت مصر تواجهها آنذاك، بين الخطر الصليبي وخطر التتار، حيث لاحظ السلطان تكاسل الناس وانشغالهم بالحشيش، وهو ما أثر على الروح القتالية للمجتمع.
بعد وفاة بيبرس، عاد الحشيش للانتشار، وبدأ العلماء يحذرون منه، معتبرين خطورته أشد من الخمر، فالأطباء مثل ابن سينا والصيادلة مثل ابن البيطار وثّقوا أضرار الحشيش النفسية والجسدية، حتى وصل البعض لذكر مئة ضرر منه.
رسائل وتحذيرات العلماء
من أبرز الأعمال التي تناولت الحشيش كتاب "زهر العريش في تحريم الحشيش" للفقيه الشافعي الزركشي، الذي استعان بآراء الأطباء والصيادلة لتوضيح مضار النبات، كما اتخذ بعض أمراء المماليك إجراءات صارمة ضد المتعاطين، مثل سودون الشيخوني، الذي أمر بخلع ضرس من يثبت تعاطيه للحشيش.
المؤرخون مثل المقريزي وثّقوا انتشار الحشيش بين الطبقات الدنيا، ووصفوه بأنه "حشيشة الفقراء"، مع ذكر أماكن معروفة لبيعها مثل "أرض الطبالة"، حيث كان التعاطي شائعًا بين أراذل الناس وأهل المجون.
الجدل الديني حول تحريم الحشيش
نشأ خلاف بين العلماء حول حكم الحشيش، وهل هو نجس مثل الخمر؟ وقد أفتى معظم العلماء بتحريمه، مستندين إلى أن تأثيره على العقل مشابه للكحول، وما يترتب عليه من انتشاء وسكر يحقق علة التحريم، كما جاء في الحديث النبوي: "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام".
ووضح ابن القيم أن التحريم يشمل كل مسكر سواء كان سائلاً كالخمر، أو جامدًا مثل الحشيش والأفيون، مؤكداً أن ضرره على العقل والجسم مماثل.
الحشيش والمجتمع الحديث
في المجتمعات المعاصرة، كثير من الشباب يرفضون شرب الخمر بحجة أنه "نجس"، بينما يمارسون تدخين الحشيش، مما يعكس استمرارية الجدل الاجتماعي حول نوعية المخدرات المقبولة أو المرفوضة، والتمييز بين الخمر والحشيش على أساس ديني واجتماعي.
تجربة جون برينان أعادت فتح النقاش حول الحشيش، ليس فقط باعتباره مادة مخدرة، بل كظاهرة ثقافية واجتماعية عابرة للعصور، يعكس تاريخ الحشيش في مصر صراعًا مستمرًا بين الفطرة الدينية، والتحذيرات الطبية، والعادات الشعبية، وهو ما يجعل فهم هذه الظاهرة يتطلب النظر في أبعادها التاريخية والاجتماعية إلى جانب العلمية والنفسية.





