"كيسنجر" الساحر الذي هنّدس السياسة الخارجية الأميركية.. ماذا نعرف عنه؟

ملخص :
ولد هنري كيسنجر في مدينة فورث الألمانية في 27 مايو/ آيار 1923، لعائلة يهودية، حيث كان والده مدرسًا ووالدته ربة بيت، أجبرت "قوانين نورمبرغ" الأسرة على مغادرة ألمانيا عام 1938 هربًا من الاضطهاد النازي، واستقرت الأسرة في مدينة نيويورك، وعاش كيسنجر مرحلة الطفولة في بيئة من التحديات، وعكف على الدراسة والعمل في نفس الوقت، حيث عمل في شركة مستلزمات الحلاقة للحفاظ على مستواه التعليمي.
التعليم والمسار الأكاديمي
استكمل كيسنجر تعليمه في مدرسة جورج واشنطن الثانوية، ثم التحق بكلية مدينة نيويورك عام 1940، قبل أن ينضم إلى جامعة هارفارد عام 1947، حيث حصل على درجة البكالوريوس عام 1950، والدكتوراه عام 1954، مع أطروحة تعد الأطول في تاريخ الجامعة، خلال تلك الفترة، أظهر تميزًا استثنائيًا أكاديميًا وانضباطًا نادرًا، مما مهد له الطريق للانخراط في المجال الأكاديمي والسياسي معًا.
الحياة الشخصية والهوايات
عُرف كيسنجر بحبه لكرة القدم، وعمل رئيسًا لمجلس حكام دوري أميركا الشمالية، وتزوج مرتين وله أبناء من زواجه الأول، وكان قارئًا نهمًا، مهتمًا بالتاريخ والفلسفة، وألف أكثر من 21 كتابًا تناولت السياسة والدبلوماسية والحروب الدولية.
مسيرة أكاديمية في هارفارد
انضم كيسنجر إلى هيئة التدريس بجامعة هارفارد عام 1954، وأسس الندوة الدولية التي استمرت من 1952 إلى 1969، وجمعت كبار الشخصيات العالمية للمحاضرات والمناقشات الصيفية، مما منحه شبكة علاقات واسعة في أوروبا والصين وأميركا اللاتينية، كما شغل منصب مدير برنامج الدراسات الدفاعية (1958-1971) ومستشارًا في الشؤون الأمنية لمختلف الوكالات الأميركية.
الانخراط في السياسة الأميركية
وشارك كيسنجر في الحملات الرئاسية للمرشح الجمهوري نيلسون روكفلر (1960، 1964، 1968)، قبل أن ينضم إلى حملة ريتشارد نيكسون عام 1968، ليصبح مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي، ثم رئيسًا لمجلس الأمن القومي (1969–1975)، ووزير خارجية (1973–1977)، وهو أول وزير خارجية أميركي مجنس يجمع بين منصبي الأمن القومي والخارجية.
دبلوماسية الحرب الباردة والواقعية السياسية
كان لكيسنجر دور محوري في تخفيف التوتر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي من خلال مفاوضات الحد من الأسلحة الإستراتيجية "سالت"، والتي أثمرت عن اتفاقيات عام 1972 لتقييد سباق التسلح النووي، كما ساهم في اتفاقية هلسنكي عام 1975 التي شملت 35 دولة لتحسين العلاقات بين الشرق والغرب.
فتح الأبواب إلى الصين
قاد كيسنجر سلسلة من الرحلات السرية إلى الصين عام 1971، ممهّدًا لزيارة نيكسون التاريخية عام 1972، ما مهد الطريق لتطبيع العلاقات بين البلدين، وأضعف نفوذ الاتحاد السوفياتي، وعزز من دور الصين في الاقتصاد العالمي، مؤكدًا على استخدام الدبلوماسية الاستراتيجية لتوازن القوى الدولية.
الوساطة في الشرق الأوسط وحرب أكتوبر 1973
قاد كيسنجر "السياسة المكوكية" بين تل أبيب والقاهرة ودمشق لوقف حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973 بين العرب وإسرائيل، حيث أمنت الولايات المتحدة دعمًا عسكريًا لإسرائيل، وضغطت على الأطراف المعنية للتوصل لاتفاقيات فك الارتباط المصرية الإسرائيلية والسورية الإسرائيلية. ورغم نجاحه في تحقيق استقرار مؤقت، لم تُفضِ هذه الجهود إلى اتفاق سلام شامل.
الجوائز والتقديرات العالمية
حصل كيسنجر على جائزة نوبل للسلام عام 1973 نتيجة دوره في إنهاء الحرب في فيتنام، إضافة إلى جوائز عديدة، منها وسام الحرية الرئاسي (1977)، وميدالية الحرية (1986)، وجوائز تقديرية للكتب والأبحاث الأكاديمية، وأدرج في استطلاع مؤسسة غالوب كأكثر شخص إثارة للإعجاب عالميًا.
الأنشطة الاستشارية والشركات الخاصة
أسس كيسنجر شركة "كيسنجر للاستشارات الدولية" عام 1982، وعمل في مجالس استشارية للأمن القومي والاستخبارات خلال عهد رونالد ريغان، وجورج بوش الأب، كما شارك في منتديات السياسة الدولية، مع الاستمرار في التأليف والتحليل السياسي.
جدل وانتقادات
رغم إنجازاته، تعرض كيسنجر للانتقاد واتهم بـ "جرائم حرب" في فيتنام وكمبوديا، والتدخل في الانقلابات العسكرية بأميركا اللاتينية، بما في ذلك تشيلي والأرجنتين وتيمور الشرقية، وقد أكدت وثائق الأرشيف الأميركي بعض هذه الاتهامات.
مؤلفات وكتب
ألف كيسنجر ما يزيد على 21 كتابا في مجالات مختلفة شكلت مراجع مهمة للباحثين والسياسيين والدبلوماسيين، ومن بين أبرز تلك المؤلفات:
- "الأسلحة النووية والسياسة الخارجية".
- "سنوات البيت الأبيض".
- "سنوات من الاضطرابات".
- "الدبلوماسية".
- "عن الصين".
- "النظام العالمي".
- "هل تحتاج أميركا إلى سياسة خارجية".
- "سنوات التجديد".
- "درب السلام الصعب".
- "مذكرات كيسنجر".
- "نحو دبلوماسية للقرن الحادي والعشرين".
وفاته وإرثه التاريخي
توفي هنري كيسنجر يوم الأربعاء 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 في منزله بولاية كونيتيكت عن عمر ناهز 100 عام، ترك وراءه إرثًا أكاديميًا وسياسيًا غنيا، ومؤلفات ومساهمات شكلت مرجعًا أساسيًا للباحثين والدبلوماسيين حول العالم، وظل حتى وفاته مستشارًا للرأي في البيت الأبيض.





