لماذا يتصدّر الأردن معدلات التدخين في العالم العربي؟
قراءة في العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي رسّخت ظاهرة التدخين في المجتمع الأردني

ملخص :
تصدر الأردن دول العالم العربي بأعلى نسبة تدخين، حيث تبلغ 36.3%، تليها لبنان بنسبة 34.1%، ثم مصر بنسبة 25.8%، ويُعدّ التدخين من أكثر العادات انتشارًا في الشرق الأوسط، حيث لا تزال نسب تعاطي التبغ مرتفعة مقارنة بالعديد من مناطق العالم، ويرتبط هذا الانتشار بمجموعة معقدة من العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وفي هذا الإطار، تبرز الأردن كواحدة من الدول التي تسجل أعلى معدلات التدخين في العالم العربي، وفقًا لتقديرات وتصنيفات صحية موثوقة صدرت خلال السنوات الأخيرة.
هذا الواقع لا يعكس فقط انتشار السجائر والشيشة كجزء من الحياة اليومية، بل يشير أيضًا إلى بيئة اجتماعية واقتصادية جعلت التبغ حاضرًا بقوة في سلوك الأفراد، وأنماط إنفاق الأسر، ويرتبط ترسيخ هذه العادة بعوامل متعددة، تتراوح بين الضغوط المعيشية والظروف الاقتصادية الصعبة، وتأثير شركات التبغ والبيئة الاجتماعية التي ساهمت في استمرار انتشار التدخين وتقبّله داخل المجتمع الأردني.
الأسباب الاجتماعية والثقافية لانتشار التدخين في الأردن
أولا: الفقر والطبقة الاقتصادية المنخفضة: يرتبط الوضع الاجتماعي والاقتصادي ارتباطًا كبيرًا بارتفاع معدلات تدخين السجائر في الأردن، وتُظهر الدراسات الشاملة المستخلصة من المسوحات الأسرية أن أفقر شريحتين من السكان في الأردن هما الأكثر تدخينًا مقارنة بأعلى شريحة دخلاً.
وتبيّن الإحصائيات أن أفقر المدخنين ينفقون على السجائر 25 ضعف ما ينفقونه على الصحة، و10 أضعاف ما ينفقونه على التعليم، و1.5 ضعف ما ينفقونه على الطعام.
وهذا يعني أن التدخين قد يشكّل مجتمعًا يحتوي على نوع من الاعتماد أو الاعتياد لدى الفقراء، وربما يرونه وسيلة للتنفيس أو عادة يومية راسخة رغم الأعباء الاقتصادية الثقيلة.
ثانيا: التدخين كجزء من نمط الإنفاق العائلي: وفقًا لتقرير صادر عن المجلس الأعلى للسكان في الأردن عام 2024، قدّرت منظمة الصحة العالمية عدد مدخني التبغ في الأردن عام 2022 بنحو 2.77 مليون شخص؛ منهم 2.29 مليون ذكر، و483 ألف أنثى.
وأكّد التقرير أن "هناك محافظات أردنية يتجاوز إنفاق الأسر فيها على التبغ والسجائر إنفاقها على اللحوم والدواجن"، مما يُظهر أن التبغ أصبح سلعة اعتيادية في ميزانيات الأسر، حتى لو كان ذلك على حساب الاحتياجات الأساسية.
ثالثا: دور شركات التبغ واستهداف الشباب: كشفت الأميرة دينا مرعد - الرئيسة الفخرية للمؤسسة الأوروبية لأبحاث وعلاج السرطان، والرئيسة السابقة للاتحاد الدولي لمكافحة السرطان - في حوار خاص لـ "الجزيرة صحة" أن نسبة التدخين بين الذكور (18 عامًا فما فوق) تبلغ حوالي 67%، وبين الإناث 17%، وهذه النسب في تزايد مستمر، مشيرة إلى أن الأخطر هو ارتفاع النسبة بين الشباب (13-15 سنة) لتصل إلى 33%، وعند سؤالها عن الجهة المتقدمة في الحرب بين مكافحي التبغ وشركات التدخين في الأردن، أجابت دون تردد: "شركات التدخين"، موضحة أن "شركات ربحية تهدف للاستحواذ على رئات شبابنا، وتفضل أن يبدأ الشاب التدخين بين سن العاشرة والسادسة والعشرين، لأنها اكتشفت أن الشخص إذا لم يبدأ التدخين مبكرًا فلن يصل لمرحلة الإدمان".
هذا الكشف يُظهر استراتيجية تسويقية واضحة من شركات التبغ لاستهداف الشباب، لضمان إدمانهم منذ الصغر، مما يجعل التدخين جزءًا من الثقافة السائدة بين هذه الفئة.
رابعا: التدخين مقرون بالهوية الذكورية: أظهرت نتائج المسح الوطني التدرجي (STEPs) لعام 2019 أن نسبة المدخنين بين الأفراد (18-69 سنة) بلغت 41٪، وشكّل مدخنو السجائر الإلكترونية وأجهزة الفيب (Vape) نسبة 9.2٪.
وكشف المسح أن انتشار التدخين أعلى بين الرجال مقارنة بالنساء، حيث بلغت نسبة مدخني التبغ التقليدي بين الرجال 65.3٪، و15٪ منهم يستخدمون المنتجات الحديثة، في المقابل، لم تتجاوز نسبة المدخنات للتبغ التقليدي 16.4٪، و2.4٪ للمنتجات الحديثة.
وقد يعكس هذا الفارق الكبير بُعدًا اجتماعيًا وثقافيًا يرتبط فيه التدخين بمفهوم "الرجولة" وما يُعد مقبولاً في الإطار الذكوري، مما يجعله سلوكًا متجذرًا في النسيج الاجتماعي.
العبء الاقتصادي والكلفة الباهظة للتبغ
تبلغ الخسائر الاقتصادية السنوية للأردن نتيجة تعاطي التبغ نحو 1.6 مليار دينار أردني، مما يؤكد أن التدخين ليس مجرد ظاهرة صحية فحسب، بل يشكل عبئًا اقتصاديًا واجتماعيًا كبيرًا، هذه الأرقام تكشف كيف تحوّل التدخين إلى صناعة قوية، وارتبط المجتمع بها على مستويات متعددة، مما يسهم في استمرار هذه الظاهرة وتجذّرها.
التنمية المستدامة والوعي الصحي
تُقر الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التبغ والتدخين في الأردن (2024-2030) بأن اتجاهات تعاطي التبغ الحالية لا تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، مما يشير إلى وجود مشكلة ثقافية تتمثل في ضعف الوعي الصحي مقابل المكاسب اللحظية والاجتماعية للتدخين، كما أن جهود المكافحة السابقة لم تكن فعالة بما يكفي لمعالجة جذور المشكلة.
وتجدر الإشارة إلى أن الأرجيلة أصبحت جزءًا من الثقافة الاجتماعية، حيث انتشرت في:
- المجمعات الترفيهية
- مقاهي الجلسات الاجتماعية
- المناسبات المختلفة
وأصبح المجتمع الأردني متصالحًا معها على مستوى الرجال والنساء، بينما يرى الشباب فيها عادة عادية بسبب انتشارها الواسع في المنازل والأماكن العامة.
هل يعد التدخين تنفيس عن غضب بسبب سوء الحال الاقتصادي؟
بشكل عام عندما يمرّ الناس بضغوط مالية مثل البطالة، والديون، وتكاليف الحياة المرتفعة يرتفع مستوى التوتر والقلق لدى الأشخاص، مما يجعله يبحث عن أي شيء يخفف عنه، مثل التدخين فالنيكوتين يعطي شعورًا مؤقتًا بالاسترخاء وتهدئة للأعصاب، لذلك الكثير من الأشخاص يتجهون إليه كآلية للتكيّف مع الضغط.
هناك دراسات عديدة في علم النفس الصحي تشير إلى أن التوتر المزمن (مثل الضغط الاقتصادي) يجعل الأفراد:
- أكثر عرضة لبدء التدخين.
- أو لزيادة كمية السجائر التي يدخنونها.
- أو يجدون صعوبة أكبر في التوقف عنه.
وتدل الإحصاءات والواقع الاجتماعي على أن التدخين أصبح جزءًا من الحياة اليومية في الأردن، ولكن مع كل هذه التحديات، هل ستنجح الجهود التوعوية والقوانين في كسر هذه العادة، أم سيبقى التبغ حاضرًا في حياة الأجيال القادمة؟
ضعف تطبيق قوانين مكافحة التدخين
رغم وجود القوانين، إلا أن التطبيق غير صارم في كثير من الأماكن، مع انتشار التدخين في الأماكن العامة، وتراخي الرقابة على بيع التبغ للقصّر.
بين كل هذه الأرقام والتحليلات، يبقى السؤال الحقيقي: هل نستطيع كمجتمع أن نكسر هذه الدائرة؟ ليست المسألة مسألة إحصاءات وتقارير فقط، بل هي معركة ثقافية واجتماعية تحتاج إلى أكثر من مجرد قوانين وتوعية، ربما الجواب لا يكمن في محاربة التدخين نفسه، بل في بناء بدائل حقيقية تلمس حياة الناس اليومية وتلمس آمالهم، فهل نستحق كمجتمع أن نتنفس هواءً نقيًا؟





