الماتشا بين العلم والتريند

ملخص :
"الماتشا" تمتلك فوائد حقيقية مثبتة جزئياً في الدراسات العلمية، أهمها احتواؤها على مضادات أكسدة مركّزة ومادة الـ L-theanine التي تُحسّن التركيز وتخفّف التوتر، إضافة إلى كمية معتدلة من الكافيين تمنح طاقة أكثر استقراراً من القهوة، ورغم ذلك، ما تزال الأدلة غير كافية لإثبات كثير من الادعاءات الصحية المنتشرة على السوشيال ميديا، خصوصاً تلك المتعلقة بخسارة الوزن أو تحسين الأيض بشكل كبير.
ولا يعود الانتشار الضخم للماتشا فقط لفوائدها، بل أيضاً لتأثير السوشيال ميديا، والعرض البصري الجذاب، والتسويق القائم على فكرة "الخُضرة الصحية"، لذلك يمكن تصنيفها كمنتج يجمع بين "حاجة" و"تريند" في الوقت ذاته، فلها أساس علمي معقول، لكن انتشارها الحالي أكبر بكثير من حجم الأدلة العلمية المتوفرة، وهو مدفوع إلى حد كبير بالموضة والتسويق والمحتوى المرئي.
كيف دخلت الماتشا عالمنا؟
الماتشا نشأت في اليابان كمشروب طقسي مرتبط بالثقافة البوذية (الطاقة والتركيز أثناء التأمل)، وتوسّع انتشارها عالمياً جاء على أكثر من موجة؛ أولاً دخولها إلى أوروبا وأمريكا عبر الثقافة الغذائية والاهتمام بالشاي الأخضر، ثانياً تبنّي الطهاة والمقاهي لها كعنصر للمشروبات والحلويات مميزة بصرياً (اللون الأخضر الفاقع)، وثالثاً اصطدامها بعالم وسائل التواصل حيث تحوّلت صور ومقاطع فيديو الماتشا الأنيقة إلى محتوى جذاب، هذا المزج بين تراث ثقافي واستخدام تسويقي جعلها تتحول من منتج تقليدي إلى "تريند عالمي".
لماذا الناس مهووسون بها؟
الاهتمام بالماتشا يجتمع فيه عوامل بصرية ونفسية وصحية: لون الماتشا مميز، وسهل التصوير، وطريقة التحضير (خاصة في اللاتيه والديزرت) تنتج صوراً جذابة للسوشيال ميديا؛ ويربط عقل المستهلك كذلك اللون الأخضر بالصحة والطبيعة، فتصبح الماتشا رمزاً لصورة صحيّة وعصرية، من جهة أخرى، سرّع دور المشاهير والمؤثرين وسلاسل المقاهي الكبيرة انتشارها، حيث تتحول إلى جزء من هوية المستهلك العصري.
الفوائد الحقيقية حسب الدراسات
الماتشا مركّزة من أوراق الشاي الأخضر، وهذا يعني أنها غنيّة بمركبات كاتيكين خصوصاً EGCG والأحماض الأمينية مثل L-theanine، وتشير الأدلة التجميعية إلى خصائص مضادة للأكسدة والالتهاب، وتأثيرات محتملة لتحسين الانتباه والتركيز بفضل التوليفة بين الكافيين وL-theanine، وتأثيرات إيجابية محتملة على بعض مؤشرات الأيض (تحسين حساسية الإنسولين، ودعم الملفّات الدهنية)، لكن معظم نتائج الفوائد الكبيرة مأخوذة من دراسات حيوانية أو دراسات بشرية صغيرة وليست كلها حاسمة.
هل الماتشا مناسبة للجميع؟
الماتشا تحتوي كافيين - غالباً أقل من فنجان قهوة كبير لكن أعلى من شاي أخضر عادي في بعض التحضيرات - لذلك الأشخاص الحساسون للكافيين يجب أن يحذروا أو يقللوا الكمية، وكذلك هناك تقارير نادرة عن مخاطر كبدية مرتبطة بمستخلصات الشاي الأخضر بجرعات عالية، وهذه علاقة معروفة بشكل أكبر مع المكملات المركّزة أكثر من الشاي التقليدي، لكن تجدر الحيطة خصوصاً لمن لديهم أمراض كبدية أو يتناولون أدوية تؤثر على الكبد.
تريند أم حاجة؟
من زاوية السلوك الاستهلاكي، الماتشا تجمع صفات تجعَلها قابلة للتحول إلى تريند؛ مظهر بصري قوي، وارتباطها بمفردات الصحة والرفاهية، ودخولها في وصفات سهلة الانتشار، لكن إذا قيّسنا ذلك بالمنافع الصحية العملية والاقتصادية، سنجد أنّ جزءاً كبيراً من الانتشار مدفوع بعوامل تسويقية أكثر من اعتماد المستهلك على فوائد مثبتة علمياً، لذلك يمكن القول: إن الماتشا حالة تريند صحي مدعوم ببعض فوائد حقيقية، لكنها ليست مشروبا سحريا لكل مشاكل الصحة.
تسويق الماتشا.. لعبة ذكية
استغلت العلامات التجارية عناصر "الأصالة" (التراث الياباني) و "الفخامة الخضراء" عبر استراتيجيات تسويق متعددة: شراكات مع مؤثرين، وعروض وصفات جاهزة، وتوسيع منتجات (لاتيه، آيسكريم، ميني كيك)، وهذا ما يعرف بـ Green Marketing، لكنه يضغط أيضاً على العرض والطلب ويؤدي أحياناً إلى تفخيم الخصائص الصحية في حملات دعائية تتجاوز الأدلة العلمية المتاحة.





