"عملية الأسد" كيف هرب الرئيس المخلوع أمواله ووثائقه في آخر 48 ساعة من حكمه؟

في آخر لحظات نظامه، ومع اقتراب سقوط دمشق، أدار بشار الأسد عملية سرية جوية لتهريب أمواله ووثائقه وأسرار شبكته المالية إلى خارج البلاد، في مهمة لم تُكشف تفاصيلها من قبل. طائرة خاصة، مستشار رفيع، حقائب مجهولة، ووثائق خطيرة... كلها عناصر لخطة تمت في صمت، لكن آثارها لا تزال تُربك المشهد السوري حتى اليوم.
في ديسمبر 2024، بينما كانت قوات المعارضة تتقدم نحو العاصمة السورية، كان المشهد في قصر الرئاسة مختلفًا تمامًا. لم تكن الأولوية حينها لتوجيه المعارك أو إعلان الطوارئ، بل لتأمين "كنز" العائلة. بشار الأسد، الذي حكم سوريا بقبضة أمنية لأكثر من عقدين، أدار عملية "خروج الطوارئ" بصمت مطبق. لا ضوء إعلامي، ولا رسائل وداع، فقط أربع رحلات جوية متتالية بطائرة خاصة أقلعت من دمشق إلى دولة خليجية، حاملة معها ما قيل إنه ثروة الأسد الحقيقية: الأموال، والأسرار.
العملية نظّمها ياسر إبراهيم، أحد أبرز رجال الأسد وأكثرهم ولاءً. إبراهيم كان مسؤول الملف الاقتصادي في القصر، وعرّاب شبكة شركات الأسد السرية المعروفة باسم "The Group". هذه الشبكة المعقدة من الشركات والأسماء الوهمية كانت تغطي قطاعات الاتصالات والطاقة والعقارات والمصارف، وتدار في الخفاء عبر واجهات مالية موزعة في ثلاث قارات. دور إبراهيم لم يقتصر على إدارة الاقتصاد، بل كان بمثابة الحارس الشخصي لمصالح الأسد في الخارج.
الطائرة، من طراز Embraer Legacy 600 والمسجلة في غامبيا برقم C5-SKY، نفذت أربع رحلات خلال 48 ساعة فقط، وفق بيانات تتبع الطيران وصور أقمار صناعية. الرحلة الأخيرة أقلعت من قاعدة حميميم الروسية في 8 ديسمبر، وهي ذات القاعدة التي استخدمها الأسد لاحقًا للفرار نحو روسيا، حيث مُنح اللجوء السياسي. على متن تلك الرحلات، لم يكن هناك مجرد أفراد من العائلة والمقربين، بل شحنات أثمن بكثير: أكياس سوداء غير موسومة تحتوي على أكثر من نصف مليون دولار نقدًا، إلى جانب حواسيب محمولة، أقراص صلبة، ووثائق تفصيلية عن هيكلية "The Group".
مصادر متعددة أكدت أن بعض هذه الوثائق كانت تتضمن معلومات عن حسابات مصرفية، عقود تجارية، وأسماء شركاء دوليين عملوا كواجهة للأسد خلال سنوات الحرب والعقوبات. إحدى المحادثات على تطبيق "واتساب" التي حصلت عليها وكالة رويترز، تكشف تبادلًا بين رجال إبراهيم بشأن "ضمان تأمين النسخ الرقمية" وعدم ترك أي أثر في سوريا.
ما يثير الجدل أكثر هو أن عددًا من أعضاء فريق الأسد لم يكونوا على علم بمكانه خلال الأيام الأخيرة، حتى من داخل العائلة. هذه السرية تُظهر حجم التخطيط والخوف من انهيار كامل لمجتمع السلطة في سوريا. بعض شهود العيان من داخل المطار أفادوا أن الطائرة لم تمر عبر الإجراءات الجمركية، وأن حراسات روسية خاصة أمنت محيط الطائرة حتى لحظة إقلاعها.
لكن ماذا تعني هذه العملية سياسيًا واقتصاديًا؟ بالنسبة لحكومة أحمد الشرع الجديدة، فإن "عملية الأسد" لم تكن مجرد هروب من العدالة، بل سرقة منظمة لثروات الدولة. الحكومة تعهدت في أكثر من تصريح باستعادة الأموال المنهوبة، والتواصل مع دول خليجية وروسيا لتجميد أي أصول مرتبطة بالأسد ومساعديه. لكن حتى الآن، لم تصدر أي دولة خليجية أو موسكو أي موقف رسمي بشأن استضافة الأسد أو أمواله.
الشعب السوري، الذي عانى من الفقر والحصار والقمع، يتابع تفاصيل هذه القصة بمشاعر مختلطة. الغضب الشعبي يرتفع مع كل كشف جديد، خاصة أن الكثير من هذه الأموال قد تكون جاءت من موارد عامة أو تم الاستيلاء عليها من رجال أعمال معارضين أو منظمات دولية كانت تقدم مساعدات إنسانية خلال الحرب.
ويبقى السؤال الأهم: هل كانت هذه العملية مجرد هروب اقتصادي؟ أم أنها تمهيد لعودة مستقبلية بأسلوب جديد؟ البعض يرى أن الأسد أراد الحفاظ على مفاتيح النفوذ الاقتصادي حتى وهو خارج البلاد، في حين يعتقد آخرون أن هذه كانت محاولة أخيرة لتأمين الحماية لنفسه وأسرته في المنفى.
وبينما تواصل الحكومة الجديدة التحقيق في التفاصيل، يُتوقع أن تزداد الضغوط الدولية لملاحقة الأموال المسروقة. منظمات الشفافية الدولية دعت لتجميد فوري للأصول التي قد تكون على صلة بالأسد، وأكدت أن الوقت قد حان لإنهاء ظاهرة "الحماية السياسية للثروات غير المشروعة".