البروليتاريا.. تعريفها وتطورها التاريخي

ملخص :
ظهر مصطلح البروليتاريا في القرن التاسع عشر ضمن كتاب "بيان الحزب الشيوعي"، لكارل ماركس، وفريدريك إنجلز، مشيرًا إلى الطبقة العاملة التي ستتشكل نتيجة التحول من اقتصاد تنافسي إلى اقتصاد احتكاري عالمي، ويعرّف ماركس البروليتاريا بأنها "الطبقة التي لا تملك وسائل إنتاج، وتعتمد على بيع مجهودها العضلي أو الفكري للبقاء على قيد الحياة"، مشيرًا إلى أن الصراع التنافسي في ظل الرأسمالية يؤدي إلى اندماج الشركات وتحولها إلى مؤسسات احتكارية كونية، فيصبح نضال الشعوب ضد عدو مشترك، أي الرأسمالية العالمية.
تطورت البروليتاريا مع انهيار الإقطاع وتوسع الرأسمالية، فظهر فئة جديدة من الفلاحين والخدم الذين اضطروا إلى بيع عملهم مقابل أجور في المراكز الصناعية، ويعتبر ماركس أن استيلاء البروليتاريا على السلطة من الطبقة الرأسمالية خطوة أساسية لتحقيق مجتمع غير طبقي.
تعريف البروليتاريا ووضعها الاجتماعي والاقتصادي
البروليتاريا، وفق النظرية الماركسية، هي فئة العمال المستأجرين الذين يعتمدون على بيع عملهم لتأمين وسائل حياتهم، أما تاريخيًا، كانت البروليتاريا في روما القديمة أدنى طبقة من المواطنين، بلا ممتلكات أو دخل مضمون، وغالبًا ما كانت مصدرًا للاضطراب السياسي.
هذه الطبقة تعاني من الفقر نتيجة استغلال الرأسمالية لها، وتتحمل تبعات الأزمات الاقتصادية الدورية، بينما لا تحصل على مقابل متناسب لجهودها، ومع ذلك، اكتشف ماركس هذه الطبقة كفئة تاريخية ذات قوانين حركة محددة، وربطها بمهمة تاريخية: السيطرة على السلطة السياسية لتحقيق التحول الاشتراكي.
الثورة الصناعية ونشوء البروليتاريا الحديثة
ترجع جذور البروليتاريا إلى الثورة الصناعية في إنجلترا خلال القرن الثامن عشر، والتي توسعت لاحقًا إلى كل البلدان المتقدمة، وقادت اكتشافات مثل آلة البخار، والنول الآلي إلى تحول جذري في أساليب الإنتاج، حيث امتلك كبار الرأسماليين الآلات الباهظة الثمن التي لم تعد متاحة للصناعيين الصغار أو الحرفيين.
أدى هذا التحول إلى خضوع الصناعة الكبيرة للرأسماليين، مع إفقار الطبقة العاملة وفقدانها الاستقلال الاقتصادي، كما أدى تقسيم العمل إلى تقليص دور العامل إلى وظيفة ميكانيكية جزئية، بينما هيمنت الآلات والإنتاج الصناعي الضخم على جميع فروع الصناعة، مما أدى إلى زوال الطبقة الوسطى الحرفية السابقة وتشكل طبقتين رئيسيتين:
- طبقة كبار الرأسماليين (البرجوازية): يحتكرون وسائل الإنتاج والمواد الخام والمصانع.
- طبقة المُعدمين (البروليتاريا): لا يملكون شيئًا سوى قوة عملهم التي يبيعونها مقابل معاش يومي.
يتزايد عدد البروليتاريا بالتوازي مع تراكم رأس المال، حيث يؤدي نمو الرأسمالية إلى حشد العمال في التجمعات الصناعية، ما يعزز وعيهم بقوتهم الجماعية ويهيئ الأرضية للثورة الاجتماعية البروليتارية.
البروليتاريا ودور ديكتاتورية الطبقة العاملة
وفق ماركس، فإن نهاية الرأسمالية وحلول النظام الشيوعي مرتبط بمرحلة انتقالية تعرف بـ ديكتاتورية البروليتاريا، حيث تمارس الطبقة العاملة السلطة وحدها لإحلال النظام الاشتراكي تدريجيًا، والقضاء على الطبقات الاستغلالية، هذه المرحلة تهدف إلى تمهيد الطريق لمجتمع بلا طبقات، كما أوضح ماركس: "بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشيوعي، هناك فترة التحول الثوري للأول إلى الثاني، تصاحبها مرحلة انتقال سياسي لا يمكن أن تكون فيها الدولة شيئًا آخر إلا ديكتاتورية ثورية للبروليتاريا".
البروليتاريا الرثة والفئات الهامشية
أدخل لينين مفهوم البروليتاريا الرثة للإشارة إلى الفئات التي لا تمتلك دخلًا ثابتًا، أو دعمًا اجتماعيًا، وتشمل المعدمين والمجرمين والأفراد خارج الطبقة العاملة التقليدية، هذه الفئات، رغم ضعف تنظيمها السياسي، تميل إلى المغامرة والمشاركة في التحالفات الثورية مع البرجوازية الصغيرة.
تُعزى نشوء هذه الفئات إلى الصراع الطبقي وتغول رأس المال العالمي، كما يوضح فرانز فانون، حيث تهجر الفلاحين المحرومين الريف إلى المدن، فيتكدسون في مناطق فقيرة ويصبحون جزءًا من البروليتاريا الدنيا، ما يبرز الطبيعة المأساوية للصراعات الطبقية في المجتمعات المتخلفة.
التحول البروليتاري في العصر الحديث
مع توسع الرأسمالية، تجاوز التحول البروليتاري العمالة اليدوية ليشمل جميع العاملين لكسب عيشهم بأيديهم أو بعقولهم، أما اليوم، فمعظم نظامنا الاجتماعي أصبح يعتمد على بيع المهارات والمعرفة والخبرات، وهو ما يجعل شريحة واسعة من السكان ضمن البروليتاريا، باستثناء طبقات محدودة قليلة الاستقلالية الاقتصادية.
البروليتاريا ليست مجرد طبقة اقتصادية، بل قوة تاريخية تشكلت نتيجة الثورة الصناعية وتراكم الرأسمالية، وتتمثل مهمتها في التحول الاجتماعي والسياسي نحو الاشتراكية، ومع تطور الرأسمالية العالمية، توسع نطاق هذه الطبقة ليشمل جميع العمال المعتمدين على بيع خبراتهم ومجهودهم، في حين تلعب ديكتاتورية البروليتاريا دورًا حيويًا في المرحلة الانتقالية نحو مجتمع بلا طبقات، وفق الرؤية الماركسية.





