من تحت الركام.. أطفال غزة يطيرون بالأمل في سماء الحرب

في قلب الحرب والدمار، حيث تغيب الكهرباء وتعلو أصوات الغارات، يصنع أطفال غزة مشهدًا لا يشبه أي شيء آخر. طائرات ورقية بسيطة، بألوان وأشكال طفولية، تخترق سماء الشجاعية الملبدة بدخان القصف، حاملة معها رسائل من قلوب صغيرة لا تزال تنبض بالحياة.
على أطراف الحي الذي تعرض للقصف مرارًا، يصطف الأطفال وعلى وجوههم ملامح الدهشة والانبهار. يركضون خلف طائرات صنعوها من أكياس نايلون وأعواد مكانس وخيوط قديمة، يرسمون عليها قلوبًا وكلمات مثل "سلام" و"كفى حرب"، ويطلقونها في السماء وكأنهم يطلقون آمالهم الصغيرة بعيدًا عن صخب الموت.
يقول آدم، وهو في العاشرة من عمره: "ما في ألعاب، ما في كهربا، بس بنعرف نضحك، وبنعرف نطير الحلم لو من كيس نايلون". أما لمى، 11 عامًا، فقدت أخاها في غارة جوية، لكنها حولت سطح منزلها شبه المدمر إلى ورشة لطائراتها الورقية. "أنا مش حابة أفكر بالموت، بدي أطير بعيد عن الحرب"، تقول وهي تلون طائرتها برسم فراشات وكلمات "أحلم بالمدرسة" و"سلام".
الطائرات الورقية في غزة لم تعد مجرد لعبة. إنها وسيلة مقاومة ناعمة، ونافذة تطل منها الطفولة على العالم، تقول: "نحن هنا، ونحب الحياة". الأطفال يعدّلون زوايا الطائرات، يركضون فرحًا عندما ترتفع، ويصرون على إعادة المحاولة إن سقطت.
يقول مروان (12 عامًا): "بنسابق الريح، لما الطيارة تطير بنحس إنه في شي بإيدنا نتحكم فيه، مش زي الحرب". وبين أحياء غزة المدمّرة، تنتشر هذه المشاهد كعلامة على الإصرار، وكأن الطفولة ترفض أن تُهزم.
ما تفعله هذه الطائرات الورقية أنها لا تُحلّق فقط، بل تروي قصة شعب. على أجنحتها كتب الأطفال: "طفولتنا مش ساحة معركة"، "أين حقوقنا؟"، "نحب الحياة". إنها رسائل تطير بلا صوت، لكنها تصل لكل قلب يملك ذرة إنسانية.
وعندما يتجمّع الأطفال لمشاهدة طائرة صديقهم وهي ترتفع، ويبدأون بالتصفيق والضحك، تشعر للحظة أن الحرب اختفت. كل شيء يعلو في تلك اللحظة: الطائرة، الأمل، وحتى غزة ذاتها.
ربما لا تملك غزة سماء مفتوحة، ولا مطارات، لكن أطفالها طاروا. بطائراتهم المصنوعة من الألم والبراءة، حلقوا فوق الخوف، وتجاوزوا حدود الواقع.