تجارة "العافية" بـلغت 6 تريليونات دولار.. صيحة صحية أم صناعة خطيرة؟

انتشرت في السنوات الأخيرة صيحات ما يسمى "تريندات العافية" (Wellness Trends) بدءًا من حميات الديتوكس الصارمة، وعلاجات الطب البديل، وصولاً إلى مكملات غذائية باهظة ووصفات "روحانية" يعد مروجوها بحياة مثالية.
هذه الظاهرة لم تعد مجرد توجه اجتماعي، بل تحولت إلى تجارة عالمية تتجاوز قيمتها 6 تريليونات دولار، رقم يفوق اقتصاد دول كبرى، لكن خلف بريق هذه الحياة الصحية السعيدة، يكمن وجه مظلم: أبعاد صحية خطيرة لممارسات غير علمية، وتشابكات سياسية معقدة توظّف خطاب العافية لأهداف أخرى؛ فهل حقاً تجعلنا صناعة العافية أفضل حالاً، أم أنها تُمرضنا بطرق جديدة؟
العافية.. من مفهوم نبيل إلى سوق عملاق
- يشمل اقتصاد العافية كل ما يتعلق بالصحة الوقائية، ونمط الحياة الصحي من يوغا وتأمل، ونوادٍ رياضية ومنتجعات، وصولاً إلى مكملات غذائية وعلاجات عشبية، ووفق تقرير معهد العافية العالمي، نمت قيمة هذا القطاع إلى 6.3 تريليون دولار بنهاية 2023، أي ما يفوق حجم صناعة الأدوية بأربع مرات تقريباً.
- هناك عوامل عديدة: ارتفاع تكاليف الرعاية الطبية التقليدية دفع كثيرين للبحث عن بدائل "طبيعية"، كذلك جائحة كورونا عززت هوس تعزيز المناعة الشخصية، ولعب عدم الثقة بالمؤسسات الصحية (بسبب أزمات مثل أدوية مقلدة أو شركات دواء جشعة) دوراً في توجه الناس لما يبدو لهم خيارات بديلة.
- بعض تريندات العافية منطقية ومفيدة، كتشجيع الرياضة والأكل العضوي والتأمل لتقليل الضغط النفسي، لكن الكثير منها تجاوز المعقول؛ حميات خالية من أي كربوهيدرات بشكل تام، ومكملات "ديتوكس" لإزالة سموم وهمية من الجسم، وحتى منتجات غريبة مثل "ماء محلّى بطاقة القمر"، أو بلورات كريستالية للشفاء! وبرغم غرابة بعضها، إلا أنها تلقى رواجاً مذهلاً بين فئات خاصة من الشباب والنساء الباحثين عن حلول سحرية لمشاكل معقدة.
الأبعاد الصحية الخطيرة
- حقنة قهوة شرجية للتخلص من السموم؟ هذا مثال حقيقي على علاجات تروجها بعض مراكز العافية رغم تحذير الأطباء من مخاطرها (كالجفاف والتهابات القولون)، وأيضاً انتشار جلسات "تحمية القولون" بالماء التي خاضتها صحفية أمريكية رغم منع طبيبها، وكانت النتيجة كانت آلاماً ومضاعفات بدلاً من "شعور خفة ونشوة" كما وُعدت.
- سوق الفيتامينات والأعشاب جزء ضخم من صناعة العافية، لكنها غير منظمة بشكل كافٍ، وكثير من هذه المكملات لا يخضع لرقابة دوائية صارمة، مما يعني احتمال تلوثها بمواد ضارة أو خطأ في الجرعات.
- الأخطر هو تطرف بعض ثقافة العافية إلى معاداة العلم، مع تغذية نظريات المؤامرة الصحية، أصبح جزء من جمهور "العافية" يشكك في اللقاحات والأدوية الضرورية.
التشابكات السياسية المعقدة
- الملفت أن الخطاب المعادي للمؤسسة الطبية تحول إلى ورقة سياسية، ففي الولايات المتحدة مثلاً، استغل الرئيس السابق ترامب شخصيات من حركة العافية ضمن إدارته: عين روبرت كينيدي جونيور (مشهور بمواقفه المضادة للقاحات) مسؤولاً صحيًا، وروّج حملة "اجعلوا أمريكا صحية مجدداً" التي تبنّت فكرة الاستشفاء البديل ورفض إرشادات الخبراء، كما رشّح مروجين للعلاجات البديلة لمناصب عليا مثل كبيرة الجراحين.
- في بعض البلدان، دعمت الحكومات علاجات الطب البديل لكسب شعبيات محلية (الهند مثالاً بترويجها لطب الأيروفيدا والسوائل العشبية خلال الجائحة)، بينما في أوروبا، تحذر دول كفرنسا وألمانيا من تسلل خرافات صحية قد تقوّض ثقة المواطنين بالطب.
- في منطقتنا العربية، نشهد أحياناً مسؤولين يروّجون علاجات "بالدعاء والأعشاب" على حساب التوعية الطبية الرصينة، وذلك لكسب شرائح مجتمعية محافظة.