رغم دعوات المقاطعة.. أكثر من 56% نسبة المشاركة في الانتخابات العراقية والسوداني أكبر الفائزين

ملخص :
أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، مساء أمس الأربعاء، النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية التي أُجريت الثلاثاء، وأظهرت تصدّر تحالف "الإعمار والتنمية" بقيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني النتائج في العاصمة بغداد وعدد من المحافظات الجنوبية والوسطى.
وأكّد السوداني، في خطاب متلفز عقب إعلان النتائج، أن ائتلافه يبارك للشعب العراقي هذا الفوز، مضيفاً أن المرحلة المقبلة ستشهد عملاً يراعي مصلحة جميع المواطنين، بمن فيهم من اختار المقاطعة، مشددا على أن العراق للجميع أولاً وأخيراً.
وشهدت ساحة التحرير وسط بغداد احتفالات لمؤيدي السوداني، الذين رفعوا الأعلام العراقية وأطلقوا الألعاب النارية ابتهاجاً بالنتائج، بحسب مراسلين ميدانيين.
تفاصيل النتائج وتوزيع المقاعد
وفق المفوضية، تفوق تحالف "الإعمار والتنمية" في بغداد، يليه حزب "تقدم" بزعامة محمد الحلبوسي، ثم ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، وقالت مصادر من داخل تحالف السوداني إن رئيس الوزراء حصد نحو 250 ألف صوت في بغداد، فيما حصل ائتلافه على أكثر من 50 مقعداً من مختلف المحافظات الوسطى والجنوبية.
أما حزب "تقدم" فقد تصدّر محافظة الأنبار، وجاء في المراتب الثانية والثالثة في مدن عدة بوسط وشمال البلاد، محققاً أكثر من 30 مقعداً.
وعلى الصعيد الشيعي، نالت القوائم المنضوية ضمن "الإطار التنسيقي"، مثل "دولة القانون"، و"عصائب أهل الحق"، و"قوى الدولة"، و"خدمات"، و"بدر"، و"حقوق"، و"تصميم"، و"الأساس"، مجتمعين أكثر من 100 مقعد، ما يرفع عدد المقاعد الشيعية الإجمالي، بما فيها مقاعد السوداني، إلى أكثر من 170 مقعداً بانتظار النتائج النهائية.
وفي إقليم كردستان، فقد حقق الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني تفوقاً واضحاً على خصومه، بينما تكبّدت الأحزاب المدنية خسائر فادحة في معظم الدوائر.
مشاركة مرتفعة رغم غياب الصدر
وأعلنت المفوضية أن نسبة المشاركة الكلية في الانتخابات بلغت 56.11 في المئة بعد فرز 99.98% من الأصوات، بواقع 12 مليون ناخب من أصل أكثر من 21 مليوناً يحق لهم التصويت، وبلغت نسبة المشاركة في التصويت العام 54.35%، فيما سجل التصويت الخاص للقوات المسلحة 82.52%، والنازحين 77.35%.
ورغم مقاطعة التيار الصدري، فإن نسبة الإقبال المرتفعة دلّت على أن غيابه لم يؤثر بشكل كبير على الحضور الشعبي، كما لم يمنع القوى الشيعية من تحقيق نتائج وازنة، ويرى مراقبون أن الانتخابات كرّست معادلة جديدة داخل المعسكر الشيعي، بين رئيس الوزراء السوداني، وزعيم "دولة القانون" نوري المالكي.
التيارات المدنية: الخاسر الأكبر
شكّلت نتائج الانتخابات صدمة قاسية للتيارات المدنية، إذ لم تتمكن قوائم مثل "البديل" و"التحالف المدني الديمقراطي" -اللتين ضمتا شخصيات من الحزب الشيوعي ومكونات مدنية أخرى- من تحقيق أي مقعد برلماني، وربما لا تتجاوز حصيلتهما مقعدين فقط وفق التقديرات الأولية.
وقال رئيس تحالف "البديل" عدنان الزرفي، في تدوينة عبر منصة (إكس)، إن المعركة الانتخابية كانت غير متكافئة بين المال السياسي واستغلال السلطة، وبين مشروع مدني يعتمد على قناعة الناس بالتغيير، مطالبا المفوضية بمحاسبة من اشترى الأصوات أو مارس الترهيب السياسي، مؤكداً أن ما جرى في بعض المحافظات يمثل دكّة سياسية تمس جوهر العملية الديمقراطية.
تحولات داخل الإطار التنسيقي
أعاد فوز السوداني ترسيم خريطة النفوذ داخل قوى "الإطار التنسيقي" الشيعي، فبعد أن تولّى رئاسة الحكومة السابقة اعتماداً على مقعدين فقط في البرلمان، بات اليوم يمتلك كتلة قوية قد تجعله رقماً صعباً في معادلة اختيار رئيس الوزراء المقبل، لكن هذا الطريق لا يبدو سهلاً، إذ يتوقع مراقبون أن يشهد "الإطار التنسيقي" انقساماً واضحاً بين معسكرَي السوداني والمالكي، خصوصاً مع تمسك الأخير وحلفائه -مثل قيس الخزعلي، وفالح الفياض- بحقهم في ترشيح رئيس الوزراء من داخل الإطار دون انفراد السوداني بالقرار.
صراع محتمل على الكتلة الأكبر
وتشي ملامح النتائج إن المرحلة المقبلة ستشهد صراعاً شيعياً شيعياً على تشكيل الكتلة الأكبر، يدور بين السوداني والمالكي"، وأن التحالفات داخل الإطار التنسيقي ستكون معقدة، وقد تتغير تبعاً للضغوط الإقليمية والدولية.
وبحسب مصادر سياسية، يدرس قادة "الإطار التنسيقي" خيار إعلان أنفسهم الكتلة الأكبر دون إشراك السوداني، على اعتبار أنه لم يعد يمثلهم بالكامل، وفي المقابل، قد يلجأ السوداني إلى إعادة التحالف مع الإطار بشروط جديدة تضمن له موقعاً متقدماً في المفاوضات.
ويُرجّح بعض المراقبين سيناريو ثالثاً يتمثل في تفكيك كتلة السوداني عبر انضمام أطراف منها إلى تحالفات أخرى داخل الإطار، ما يقلل من نفوذه السياسي ويخفف من حدة التنافس المباشر بينه وبين المالكي.
خيارات السوداني ومعادلة النفوذ الإقليمي
تتحدث أوساط مقربة من رئيس الوزراء عن نية السوداني الاستفادة من دعم أميركي وإقليمي لتعزيز موقعه داخل الساحة السياسية، في محاولة لبناء تحالفات جديدة تتجاوز حدود الإطار التقليدي، غير أن نوري المالكي يملك خبرة تكتيكية عميقة في تشكيل التحالفات، ما سيجعل من الصعب على السوداني الحفاظ على تماسك كتلته، وسيبقى النفوذ الإيراني عاملاً مؤثراً في ترجيح كفة الإطار ضد السوداني.
المسار الدستوري لتشكيل الحكومة
بعد إعلان النتائج النهائية ومصادقة المحكمة الاتحادية عليها، سيدعو البرلمان الجديد إلى جلسة أولى خلال 15 يوماً يترأسها أكبر الأعضاء سناً، لاختيار رئيس له، ويلي ذلك انتخاب رئيس الجمهورية خلال 30 يوماً بأغلبية الثلثين (220 صوتاً على الأقل)، ليكلّف الأخير مرشح "الكتلة النيابية الأكبر" بتشكيل الحكومة خلال 15 يوماً، ولأن أي حزب لا يمتلك الأغلبية المطلقة في البرلمان المؤلف من 329 عضواً، فإن بناء التحالفات السياسية سيكون ضرورياً لتشكيل الحكومة المقبلة، وهي عملية معروفة بطولها وتعقيدها في التجربة السياسية العراقية.
مواقف دولية مرحّبة
رحّبت بعثة الاتحاد الأوروبي في العراق بالانتخابات، داعية القوى السياسية إلى دعم تشكيل حكومة تعبّر عن إرادة الشعب وتعزز استقرار البلاد، وقالت في بيان إن "الاقتراع يمثل فرصة مهمة لتعزيز المؤسسات الديمقراطية وضمان المساءلة والشمولية"، مؤكدة أن استقرار العراق يكتسب أهمية متزايدة في ظل التحولات الإقليمية الراهنة.
كما هنّأت الأمم المتحدة الشعب العراقي على إنجاز الانتخابات بصورة هادئة ومنظمة، معربة عن ثقتها في أن القوى السياسية ستحترم إرادة الناخبين وتعمل على تشكيل الحكومة في الوقت المناسب، وأكد المتحدث باسم الأمين العام، ستيفان دوجاريك، التزام المنظمة بدعم العراق في تعزيز مكاسبه الديمقراطية وتحقيق تطلعات مواطنيه نحو الاستقرار والتنمية.
عراق ما بعد الانتخابات
تكشف نتائج الانتخابات العراقية عن مشهد سياسي متجدد تحكمه توازنات دقيقة داخل المكوّن الشيعي، وصعود واضح للسوداني مقابل استمرار نفوذ المالكي، وفي المقابل، تراجعت التيارات المدنية، بينما حافظ الأكراد والسنة على مواقعهم التقليدية، ومع انطلاق مفاوضات الكتلة الأكبر، يبدو أن تشكيل الحكومة المقبلة سيكون اختباراً جديداً لمدى قدرة القوى العراقية على تجاوز الحسابات الفئوية نحو مشروع وطني جامع، في وقت يتزايد فيه الضغط الإقليمي والدولي للحفاظ على استقرار البلاد.





