باستقبال غير مسبوق.. تفاصيل زيارة ولي العهد السعودي للبيت الأبيض

ملخص :
شهدت العلاقات السعودية-الأمريكية محطة جديدة ونقطة تحول لافتة خلال اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض، جاء هذا اللقاء استكمالًا لمسار طويل من التعاون الاستراتيجي بين البلدين، خصوصًا بعد سلسلة لقاءات واتفاقيات عسكرية واقتصادية ضخمة خلال عام 2025، وقد مثّل الاجتماع الأخير مرحلة تعزيز واضحة للشراكة، من خلال الإعلان عن اتفاق دفاعي كبير، وإشارات إلى توسع الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مناقشة ملفات إقليمية حساسة وعلى رأسها التطبيع مع إسرائيل.
اللقاءات السابقة بين ترامب وابن سلمان
شهد عام 2025 عدة لقاءات أساسية بين الطرفين، أبرزها زيارة ترامب إلى الرياض في مايو 2025، حيث وُقّعت "وثيقة الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية" إلى جانب صفقة دفاعية ضخمة بلغت 142 مليار دولار، وجاء اللقاء الأخير استكمالًا لهذا المسار، مؤكّدًا على تقدم العلاقات إلى مستوى غير مسبوق من التعاون الأمني والاقتصادي.
مراسم استقبال غير مسبوقة
استقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس الثلاثاء، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مراسم استثنائية وغير مسبوقة بالبيت الأبيض، حيث قام ترامب باستقبال ضيفه عند البوابة الجنوبية خلافاً للبروتوكول المعتاد عند البوابة الشمالية.
واصطف أعضاء الإدارة الأميركية وحرس الشرف الذين اعتلوا الخيول ورفعوا العلمين الأميركي والسعودي، فيما حلّقت طائرات حربية ترحيباً بموكب ولي العهد، وبعد مراسم الاستقبال الرسمية، اصطحب ترامب الأمير محمد بن سلمان في جولة داخل أروقة البيت الأبيض قبل الانتقال إلى المكتب البيضاوي لبدء المحادثات.
ترامب يرحب بالأمير ابن سلمان
اصطحب ترامب ولي العهد السعودي في جولة داخل البيت الأبيض، عبّر بعدها عن متانة العلاقة بين البلدين، واصفاً زيارة الأمير محمد بن سلمان بالشرف الكبير، قائلا إنه يكنّ احتراماً كبيراً لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وإن ولي العهد رجلٌ يحظى باحترام كبير، وصديق عزيز جداً منذ زمن طويل".
وعبّر ترامب عن فخره بالعمل الذي قام به الأمير محمد بن سلمان، واصفاً ما فعله في المملكة بأنه "مذهل، والثقة مع السعودية وولي العهد متبادلة، وهو يفكر دائماً في بلاده وجعل المملكة عظيمة".
رفع العقوبات عن سوريا
قال ترامب "اتصل بي ولي العهد، وطلب تحديداً ما إذا كنت سأرفع العقوبات عن سوريا لأنه يريد أن يرى سوريا تنهض"، متابعا "كما تعلمون، الرئيس السوري (أحمد الشرع) كان هنا للتو، وأجرينا اجتماعاً رائعاً، وهو رجل قوي، وأعتقد أنك تحتاج إلى شخص قوي ليقود (هذه البلاد)"، مشيداً بالتقدم الهائل الذي حققته دمشق، وبنتائج رفع العقوبات التي وصفها بالجيدة جداً حتى الآن.
التعاون العسكري
شهد اللقاء إعلانًا مهمًا بتصنيف السعودية "حليفًا رئيسيًا غير عضو في الناتو"، وهي خطوة تعزز الشراكة الدفاعية بين البلدين، كما تم التوقيع على "اتفاق دفاعي استراتيجي تاريخي"، يشمل توسيع التدريب العسكري، تطوير المنشآت الدفاعية، وتعزيز تبادل المعلومات، وتمنح هذه الخطوة السعودية امتيازات عسكرية وتقنية لم تكن متاحة سابقًا بهذا المستوى.
حجم التبادل التجاري
تجاوز حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والسعودية 500 مليار دولار خلال السنوات العشر الماضية، وفق بيانات رسمية، ويتركز هذا التبادل في الطاقة، التقنية، الدفاع، والخدمات اللوجستية، ما يجعل الشراكة الاقتصادية أحد أعمدة العلاقة الثنائية.
الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة
أعلن ترامب خلال اللقاء أن السعودية تعهدت باستثمارات تصل إلى 600 مليار دولار، مع إمكانية بلوغها تريليون دولار خلال السنوات المقبلة، وتشمل الاستثمارات قطاعات حيوية مثل:
- الذكاء الاصطناعي
- التعدين والمواد النادرة
- الطاقة والبتروكيماويات
- البنية التحتية
- الشركات التقنية الناشئة
هذه الخطوة تعكس توجّه السعودية لتعزيز نفوذها الاقتصادي عالميًا عبر توظيف سيولتها المالية في الاقتصاد الأمريكي.
السعودية كلاعب إقليمي
يأتي هذا اللقاء ليرسّخ مكانة السعودية كلاعب إقليمي محوري في الشرق الأوسط، ويعزز التصنيف كحليف غير عضو في الناتو موقعها الأمني، بينما تمنحها الاستثمارات الضخمة نفوذًا واسعًا في الاقتصاد العالمي، وتبرز المملكة أيضًا كقوة تكنولوجية ناشئة من خلال الاستثمار في البيانات والذكاء الاصطناعي، وفي الوقت نفسه تسعى لتثبيت الاستقرار الإقليمي عبر لعب أدوار سياسية في ملفات مثل السودان واليمن وإيران.
صفقات السلاح
إلى جانب صفقة 142 مليار دولار التي شملت صواريخ دفاعية وأنظمة جوية متقدمة، أعلن ترامب خلال اللقاء الأخير الموافقة على بيع مقاتلات F-35 للسعودية، وتشير التصريحات إلى خطة سعودية لشراء ما يقارب 300 دبابة أمريكية أيضًا، وتجعل هذه الحزمة السعودية واحدة من أكبر مستوردي السلاح الأمريكي عالميًا.
التطبيع المحتمل مع إسرائيل
تناول اللقاء أيضًا ملف التطبيع، حيث أبدى ابن سلمان انفتاحًا مشروطًا على الانضمام إلى "اتفاقيات ابراهام"، لكنه شدّد على أن أي خطوة في هذا الاتجاه يجب أن تكون مرتبطة بـ "مسار واضح لحل الدولتين" للفلسطينيين؛ ما يعني أن التطبيع وارد، لكنه مرتبط بمعايير سياسية لا تزال بحاجة إلى توافق إقليمي واسع.
الطاقة النووية المدنية
شمل الحديث إمكانية تعاون بين السعودية والولايات المتحدة في مجال الطاقة النووية المدنية، فالسعودية تسعى للحصول على تكنولوجيا نووية أمريكية لتطوير برنامج نووي مدني ضمن خطط التنويع الاقتصادي، لكن هناك بعض العقبات، إذ أن واشنطن قد تشترط على الرياض بعض النقاط مثل عدم تخصيب اليورانيوم، أو معالجة الوقود المستهلك.
التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي
كما شملت المباحثات توسيع التعاون في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وتهتم السعودية بالحصول على رقائق متقدمة (أشباه الموصلات) لدعم مشاريعها التقنية والطموحات في رؤية 2030.
قمة أعمال استثماريّة مرافقة
ضمن زيارة بن سلمان، تعقد قمة استثمارية مشتركة (سعودي-أمريكية) بمشاركة رجال أعمال ومسؤولين من الجانبين، وتهدف إلى توسيع الشراكة الاقتصادية ليس فقط على المستوى الحكومي، بل أيضًا بين القطاعين الخاصين، وهذا يعزز الطموحات السعودية في ضخ مزيد من الاستثمارات في الشركات الأمريكية.
يمثل هذا اللقاء محطة مفصلية في العلاقات السعودية-الأمريكية، نظرًا إلى حجم الاتفاقيات ونوعية التعاون المطروح، وتبدو السعودية اليوم لاعبًا إقليميًا لا يمكن تجاوز دوره، بينما تنظر الولايات المتحدة إلى المملكة باعتبارها شريكًا دفاعيًا واقتصاديًا طويل الأمد، مستقبل العلاقة بين البلدين مرشح لمزيد من التوسع، خصوصًا مع استمرار التفاهمات في ملفات الطاقة، الأمن، التكنولوجيا.





