أبراهام لينكولن.. الذي أنهى العبودية في أميركا

ملخص :
الميلاد والنشأة
وُلد أبراهام لينكولن في 12 فبراير/ شباط 1809 بمزرعة "سينكن سبرينغ" قرب هودجنفيل بولاية كنتاكي جنوب شرق الولايات المتحدة، ونشأ في أسرة متواضعة، كان والده توماس لينكولن مزارعًا متدينًا مستقيم الأخلاق، بينما كانت والدته نانسي هانكس لينكولن ربة منزل ساعدت زوجها في أعمال الزراعة والغزل والنسج، كان لديه أخت كبرى تُدعى سارة وأخ أصغر، توماس جونيور، الذي توفي في سن مبكرة.
في سن السابعة، انتقلت الأسرة إلى ولاية أنديانا، حيث عاش لينكولن في بيئة ريفية فقيرة وقاسية، وشارك والده في الأعمال الزراعية، توفيت والدته عام 1818 إثر إصابتها بما يُعرف بـ "مرض الحليب"، وهو مرض شائع -آنذاك- نتيجة تناول حليب الأبقار أو لحوم المواشي التي تغذت على نبات الجذر الأفعواني الأبيض، مخلفًا أثرًا عميقًا في شخصيته، بعد عام، تزوج والده من سالي بوش جونستون التي ساعدته على مواصلة التعلم وتنمية شخصيته.
التعليم الذاتي والثقافة
لم يتلقَ لينكولن تعليمًا رسميًا منتظمًا، واكتفى بفترات قصيرة في المدارس الريفية، لكنه اعتمد على نفسه في تحصيل المعرفة، حيث تعلم القراءة والكتابة والحساب ذاتيًا؛ قرأ الإنجيل، و"حياة جورج واشنطن"، و"حكايات إيسوب"، و"روبنسون كروزو"، بالإضافة إلى أعمال شكسبير مثل "هاملت"، و"ماكبث"، وكتب في المنطق والرياضيات مثل "عناصر إقليدس".
كان يسجل الاقتباسات المهمة في دفاتر خاصة ويتدرب على تحسين خطابه العام، ما أكسبه مهارات متميزة في التعبير والتحليل، وصورت في ذاكرة الأميركيين كـ "الفتى الذي تعلم بجوار الموقد".
الحياة المهنية في المحاماة
درس لينكولن القانون دون الالتحاق بالجامعة، ونال رخصة المحاماة عام 1836، بدأ ممارسة المحاماة في سبرينغفيلد بإلينوي، بالتعاون مع جون تود ستيوارت، ثم القاضي ستيفن تي لوغان، قبل أن يؤسس مكتبًا جديدًا مع ويليام هيرندون عام 1844، الذي ظل شريكه حتى انتخابه رئيسًا، وتميز لينكولن بقدرته على تبسيط القوانين وتقديم حجج واضحة أمام المحاكم، ما أكسبه سمعة طيبة وجعله من أبرز المحامين في الولاية.
البدايات السياسية والمعارضة للعبودية
بدأ نشاطه السياسي ضمن حزب "الويغ"، وانتخب عام 1834 عضوًا في المجلس التشريعي لإلينوي، كان من أبرز المدافعين عن تطوير البنية التحتية، والتعليم، ومناهضة انتشار العبودية، وبرز دوره السياسي بشكل خاص بعد صدور "قانون كانساس-نبراسكا" عام 1854 الذي ألغى اتفاقية ميزوري وسمح للمقاطعات بتقرير السماح بالعبودية بنفسها، ما أدى إلى صراعات عنيفة وزاد الانقسام الوطني.
ألقى لينكولن خطاب "البيت المنقسم" في 16 يونيو/ حزيران 1858، وقال فيه: "إن بيتًا منقسماً على ذاته لا يمكن أن يصمد"، وهو الخطاب الذي رسخ موقفه الرافض للعبودية، وخاض بعد ذلك سلسلة من المناظرات الشهيرة مع ستيفن دوغلاس، المعروفة بـ"مناظرات دوغلاس-لينكولن"، والتي رغم خسارته للسباق الانتخابي لمجلس الشيوخ، أكسبته شهرة واسعة.
الرئاسة وانتخابات 1860
ترشح لينكولن باسم الحزب الجمهوري في انتخابات 1860 وفاز بها، وتولى الرئاسة في 4 مارس/ آذار 1861، ليصبح الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة، كان انتخابه أحد الأسباب المباشرة لانفصال 11 ولاية جنوبية، واندلاع الحرب الأهلية الأميركية في 12 أبريل/ نيسان 1861، نتيجة الخلاف حول العبودية والحقوق الإقليمية.
الحرب الأهلية والإنجازات التاريخية
واجه لينكولن خلال رئاسته تحديات هائلة، حيث كانت الحرب الأهلية أكبر تهديد لوحدة البلاد، فعمل على وضع إستراتيجية عسكرية فعالة للحفاظ على الاتحاد، واتخذ قرارات تاريخية حاسمة، أبرزها إعلان تحرير العبيد في 1 يناير/ كانون الثاني 1863، الذي شكل نقطة تحول تاريخية في الولايات المتحدة.
كما عمل على توحيد النظام المصرفي، حيث ساهمت سيطرة بعض العائلات الكبرى على الاقتصاد الوطني في دعم استمرارية الحرب وضمان الاستقرار المالي، وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1863 ألقى خطاب غيتيسبيرغ في بنسلفانيا، مؤكّدًا على مبادئ الحرية والمساواة ووحدة الأمة، مؤكدًا أن "حكومة الشعب، من الشعب، ولأجل الشعب" يجب أن تبقى صامدة.
الولاية الثانية والاغتيال
أعيد انتخاب لينكولن عام 1864 على رأس حزب الاتحاد الوطني، تحالفًا بين الجمهوريين والديمقراطيين المؤيدين للوحدة، ولكن في 14 أبريل/ نيسان 1865، تعرض للاغتيال أثناء حضوره عرضًا مسرحيًا في "مسرح فورد" بواشنطن على يد جون ويلكس بوث، المؤيد للكونفدرالية والمعارض لسياساته، عُرض جثمانه في البيت الأبيض والكونغرس، قبل أن يُنقل عبر جولة بالقطار استغرقت 13 يومًا، وتوقف في ولايتي فيلادلفيا ونيويورك، ثم دفن في سبرينغفيلد بإلينوي، حيث عاش معظم حياته العملية والسياسية.
إرث لينكولن
يُعرف لينكولن بعدة ألقاب منها "أبراهام الصادق"، "المحرر العظيم"، و"حكيم سبرينغفيلد"، ترك إرثًا سياسيًا وإنسانيًا خالدًا، حيث شكل قيادته خلال الحرب الأهلية خطوة فارقة نحو توحيد الولايات المتحدة وإنهاء العبودية، كما رسخ قيم الحرية والمساواة كأسس للهوية الوطنية الأميركية.





