الأمم المتحدة تحتفي بيوم حقوق الإنسان 2025: كرامة الإنسان في قلب الحياة اليومية

ملخص :
تحت شعار "حقوق الإنسان ركيزة كرامتنا في الحياة اليومية"، تُحيي الأمم المتحدة مناسبة يوم حقوق الإنسان للعام 2025، الذي يصادف العاشر من ديسمبر من كل عام، وجاء الاحتفال هذا العام في ظل ظروف عالمية تتسم بالتقلب وتنامي الإحساس بعدم الأمان، وهو ما دفع المنظمة الدولية إلى التأكيد على أن قيم حقوق الإنسان ما تزال المسار الأكثر فاعلية لحماية الإنسان وتعزيز استقراره.
وأشارت الأمم المتحدة، عبر موقعها الإلكتروني الرسمي، إلى أن موضوع هذا العام يهدف إلى إعادة تسليط الضوء على أهمية حقوق الإنسان في حياة البشر اليومية، ولا سيّما في وقت يشعر فيه الكثيرون بتزايد العزلة والقلق والاستياء، وذكرت المنظمة أن "حقوق الإنسان لا تزال الخيار الرابح للبشرية"، لأنها تمثل الأساس الذي تُبنى عليه الكرامة الإنسانية.
الحملة الأممية: إعادة ربط الإنسان بحقوقه اليومية
أكدت الأمم المتحدة أن الحملة الخاصة بيوم حقوق الإنسان 2025 تسعى إلى إعادة تفاعل الأفراد مع مفهوم الحقوق عبر إظهار أثرها المباشر على تفاصيل الحياة اليومية، فغالبًا ما تُرى حقوق الإنسان باعتبارها مبادئ نظرية بعيدة عن الواقع، إلا أنها - بحسب المنظمة - تشكل قواعد أساسية يعتمد عليها الإنسان في كل يوم دون أن يلتفت إليها.
وشددت المنظمة على أن ردم الفجوة بين المبادئ المجردة والتجارب اليومية سيسهم في تعزيز الوعي وتجديد الثقة وتحفيز العمل الجماعي، موضحة أن حقوق الإنسان ليست مطلبًا نظريًا، بل قيم واقعية وقابلة للتحقق، وأن استعادتها إلى واجهة الاهتمام الشعبي ضرورة عالمية.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: وثيقة تاريخية دشّنت حقبة جديدة
يُعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إحدى أهم الوثائق التي أرست معايير صون كرامة الإنسان وحرياته الأساسية، فقد جاء هذا الإعلان عقب ما شهدته البشرية من انتهاكات واسعة خلال الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي دفع المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات جادة لضمان عدم تكرار مثل تلك الفظائع.
وبعد تأسيس الأمم المتحدة، كان الإعلان خطوة محورية نحو ترسيخ إطار قانوني وقيمي يمنع تكرار المآسي ويضمن حقوق الإنسان في كافة أنحاء العالم، وقد شكّل هذا الإعلان المرجعية الأولى لجميع التشريعات والمعايير الدولية اللاحقة في مجال حقوق الإنسان.
البدايات: تشكيل لجنة حقوق الإنسان وصياغة الإعلان
بدأ العمل على إعداد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عندما شرع المجلس الاقتصادي والاجتماعي في تنفيذ مسؤولياته وفق ميثاق الأمم المتحدة، وفي عام 1946، أنشأ المجلس لجنة متخصصة في حقوق الإنسان، مُكلّفة بتقديم توصيات وإعداد مشروع الإعلان.
تألفت اللجنة من 18 عضوًا من خلفيات ثقافية وسياسية ودينية متنوّعة، وقادت السيدة إليانور روزفلت، أرملة الرئيس الأمريكي فرانكلين د. روزفلت، لجنة الصياغة، فيما وضع الفرنسي رينيه كاسين المسودة الأولية للإعلان، كذلك شارك في صياغته كل من السيد تشارلز مالك من لبنان مقرّر اللجنة، وبونغ شونغ شانغ من الصين نائب رئيس اللجنة، وجون همفري من كندا مدير شعبة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والذي أعدّ المخطط الأساسي للإعلان، وقد أجمعت مصادر الأمم المتحدة على أن السيدة روزفلت كانت القوة الدافعة التي أنجزت إجماعًا دوليًا حول الإعلان.
من المسودة إلى الاعتماد: مشاركة واسعة وقرار تاريخي
قُدم المشروع الأولي للإعلان في سبتمبر/أيلول 1948، وشارك في بلورته أكثر من خمسين دولة من الدول الأعضاء، وفي العاشر من ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بموجب القرار 217 أ (ثالثًا) خلال اجتماع عقد في باريس، ولم تُسجّل أي معارضة على القرار، بينما امتنعت ثماني دول عن التصويت، ومنذ اعتماده، أصبح الإعلان المرجعية الأولى التي تستند إليها الدول في تشريعاتها الوطنية والتزاماتها الدولية لضمان حقوق الإنسان.
مضامين الإعلان: ثلاثون مادة لحماية الكرامة الإنسانية
يتكون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من ثلاثين مادة تشمل مجموعة شاملة من الحقوق التي يمكن تقسيمها إلى محورين أساسيين: الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
أولًا: الحقوق المدنية والسياسية
تضمن الإعلان اعترافًا صريحًا بحق كل إنسان في الشخصية القانونية التي تتيح له التمتع بالحق في الحياة والحرية والأمان، وما يتفرع عنها من حقوق أخرى تحمي الفرد من الانتهاكات.
وتضمنت المواد تحريمًا قاطعًا للرق والعبودية، ومنعًا لجميع أشكال التعذيب والمعاملة القاسية أو المهينة، كما حظر الإعلان الاعتقال أو النفي التعسفي، وأكد على ضمانات المحاكمة العادلة على الصعيدين المدني والجزائي، والاعتراف بقرينة البراءة، وعدم تطبيق القوانين بأثر رجعي.
وفي سياق الحريات العامة، شدد الإعلان على:
- حرية التعبير والديانة
- حرية الاجتماع السلمي
- حرية التنقل
- حق اللجوء
- حق الجنسية
- حق تكوين الأسرة
- الحق في المشاركة بالحكم مباشرة أو عبر انتخابات حرّة تعبّر عن إرادة الشعب
وتشكل هذه الحقوق الأساس الذي تُبنى عليه المجتمعات الديمقراطية الحديثة.
ثانيًا: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
انطلقت المادة (22) من الإعلان لتؤكد حق كل شخص في الضمان الاجتماعي وضمان توفير الحقوق الضرورية لكرامته وتنمية شخصيته، وتتابعت المواد لتفصيل مجموعة من الحقوق الأساسية، أبرزها:
- الحق في العمل (م23)
- الأجر العادل الذي يضمن مستوى لائقًا من العيش (م23/2)
- فترات الراحة والإجازات (م24)
- تأسيس النقابات والانضمام إليها (م23/4)
- الحق في مستوى معيشي ملائم يكفل الصحة والرفاه للفرد وأسرته (م25/1)
- حماية الأمومة والطفولة (م25/2)
- الحق في التعليم المجاني في مراحله الأولى، مع منح الآباء حرية اختيار نوع التعليم (م26)
- الحق في المشاركة في الحياة الثقافية للمجتمع
- حماية الحقوق المعنوية والمادية الناتجة عن الإنتاج العلمي أو الأدبي أو الفني (م27)
- الحق في نظام اجتماعي ودولي يتيح حماية كاملة لهذه الحقوق (م28)
ويمثل هذا الجانب من الإعلان الأساس الذي انبثقت منه المواثيق اللاحقة المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، باعتبارها مكمّلة للحقوق المدنية والسياسية.
الرسالة العالمية للإعلان: حماية الإنسان ومنع التدهور
توضح بنود الإعلان بجلاء أن هذه الحقوق ليست ترفًا أو خيارًا إضافيًا، بل هي ضرورة إنسانية تهدف إلى منع الانزلاق نحو الهمجية والانتهاكات الوحشية التي عرفتها البشرية، وقد أكدت الجمعية العامة في مقدمة الإعلان أن احترام هذه الحقوق يشكل القاعدة المشتركة التي ينبغي لجميع الشعوب والدول السعي إلى تحقيقها.
كما دعا الإعلان كل فرد وهيئة ومؤسسة إلى العمل على ترسيخ هذه الحقوق من خلال التعليم والتوعية، واعتماد إجراءات وطنية ودولية تضمن الاعتراف بهذه الحقوق ومراعاتها بشكل فعال في جميع أنحاء العالم.
يشكل يوم حقوق الإنسان مناسبة سنوية لتسليط الضوء على المبادئ التي صاغتها البشرية بعد معاناة وخراب، ولإعادة التأكيد على أن حماية الكرامة الإنسانية يجب أن تكون أولوية عالمية، وتعيد حملة عام 2025 للأذهان أن حقوق الإنسان ليست مفهوماً قانونيًا مجردًا، بل هي حجر الأساس في حياة الإنسان اليومية، وبوابة العيش الكريم في عالم مضطرب يحتاج إلى مزيد من العدالة والإنصاف والاحترام المتبادل.





