ما هي الفدرالية؟

ملخص :
الفدرالية: مفهومها وأسسها العامة
تُعرَّف الفدرالية بأنها شكل من أشكال الحكم أو نمط من أنماط التنظيم السياسي، تتحد بموجبه مجموعة من الدول المستقلة، أو الولايات، أو الكانتونات في دولة فدرالية واحدة، من خلال رابط قانوني يتمثل في دستور تقرّه جمعية تأسيسية ويُصادَق عليه من قِبل جميع الأطراف المكوِّنة للاتحاد، وينتج عن هذا الاتحاد نشوء شخصية دولية جديدة، تتولى تمثيل الدولة الفدرالية على الصعيد الخارجي.
ويقوم النظام الفدرالي أساسًا على توزيع الصلاحيات بين السلطة المركزية والوحدات المكوِّنة للاتحاد، جامعًا بين الحكم المشترك من جهة والحكم الذاتي من جهة أخرى، وقد تجاوز عدد الدول التي تعتمد هذا النظام أكثر من عشرين دولة، من أبرزها الولايات المتحدة الأميركية كأكبر دولة فدرالية، فيما تُعدّ الإمارات العربية المتحدة من أصغرها من حيث المساحة وعدد السكان.
نشأة الفدرالية وتطورها التاريخي
ظهرت الفدرالية بصيغتها الفكرية والسياسية الحديثة على أيدي آباء الفدرالية الأميركية، وفي مقدمتهم جيمس ماديسون(James Madison)، وألكسندر هاميلتون (Alexander Hamilton)، وقد وضع كل منهما مجموعة من الشروط اللازمة لتشكيل الاتحاد الفدرالي، من أبرزها وجود روابط تاريخية بين الدول أو الولايات، وتوافر الرغبة في الاندماج الوطني مع الحفاظ على قدر من الاستقلال لكل وحدة.
وجاء هذا التوجّه استجابةً لمخاوف من الآثار السلبية للنظم الشمولية، حيث نظر المفكرون الفدراليون إلى الفدرالية بوصفها فلسفة سياسية توفّق بين الاتحاد والمركزية، وتهدف إلى جمع الشعوب في إطار دولة واحدة، مع مراعاة الخصوصيات المحلية، كما اعتُبر النموذج الفدرالي قابلًا للتطبيق في بيئات جغرافية وثقافية مختلفة، وتبرز أهميته بشكل خاص في الدول التي تتسم بالتنوع الثقافي والعرقي.
وقد تأسس أول اتحاد فدرالي بمفهومه الحديث في الولايات المتحدة الأميركية عام 1787، ثم لحقت بها سويسرا وألمانيا خلال القرن الثامن عشر، قبل أن ينتشر هذا النموذج لاحقًا في عدد متزايد من دول العالم.
طرق نشوء الاتحاد الفدرالي
ينشأ الاتحاد الفدرالي بإحدى طريقتين رئيسيتين:
الاتحاد بالتجمّع
ويتم من خلال اتحاد عدد من الدول المستقلة لتكوين دولة فدرالية واحدة، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية، وكندا، وأستراليا، وألمانيا، وفي هذا النموذج، تندمج مجموعة من الدول أو الولايات المستقلة بموجب اتفاق دستوري، استنادًا إلى عوامل مشتركة تجمعها، مثل اللغة أو الدين أو التاريخ المشترك.
الاتحاد بالتفكك
ينشأ هذا النوع من خلال تفكك دولة بسيطة إلى عدة ولايات تتمتع بسلطات مستقلة نسبيًا، كما في البرازيل والأرجنتين والمكسيك وفنزويلا، وتتحول الدولة ذات الدستور الواحد إلى دولة مركبة تعتمد دستورًا مزدوجًا، ينظم شؤون الولايات من جهة، ويحدد طبيعة علاقتها بالسلطة المركزية من جهة أخرى، بهدف توزيع السلطة بين مختلف المكونات.
الخصائص الأساسية للدول الفدرالية
تتميّز الدول الفدرالية بعدد من الخصائص الجوهرية، من أبرزها:
- وجود دستور موحّد ينظم العلاقة بين الاتحاد والوحدات المكوِّنة له.
- تمتع الدولة الفدرالية بالوحدة على الصعيد الدولي، حيث تمثل كيانًا واحدًا في العلاقات الخارجية.
- وجود حكومة اتحادية إلى جانب حكومات محلية لكل ولاية أو دولة عضو.
- ثنائية السلطة التشريعية، غالبًا من خلال مجلسين (مثل مجلس الشيوخ ومجلس النواب).
- سمو القوانين الفدرالية على القوانين المحلية في حال التعارض.
وبموجب هذا النظام، تتوزع السلطة السياسية بين مؤسسات وطنية وأخرى محلية، كما تختلف النظم السياسية داخل الدول الفدرالية، إذ لا يوجد نموذج واحد ملزم للجميع، بل تعتمد كل دولة أو ولاية الصيغة التي تناسب ظروفها، أما السلطة القضائية، فتتولى الرقابة على دستورية القوانين سواء على مستوى الاتحاد أو على مستوى الوحدات، وتعمل على تحقيق التوازن بينهما، مستندة إلى استقلال القضاة عن السلطة السياسية.
صلاحيات الدولة الفدرالية واختصاصاتها
تحتفظ الدولة الفدرالية بالوظائف الأساسية للدولة، بينما تُفوَّض الوظائف الثانوية إلى الوحدات المكوِّنة للاتحاد، وتشمل الصلاحيات الرئيسية للدولة الفدرالية ما يلي:
- احتكار السيادة الخارجية وتمثيل الدولة في العلاقات الدولية.
- منح البرلمان الاتحادي الصلاحيات النقدية والمالية.
- انفراد السلطات الفدرالية بقراري السلم والحرب وتشكيل القوات المسلحة.
- اختصاص القضاء الفدرالي بالنظر في النزاعات بين الولايات، أو بين الولايات والاتحاد.
- تمتع مواطني الدولة بالجنسية الفدرالية وفق ما تنص عليه الدساتير الاتحادية.
في المقابل، تمارس الوحدات أو الولايات الوظائف الثانوية، وتتمتع بالسيادة الداخلية، حيث تتولى تنظيم الحريات الأساسية، وإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية المحلية.
الفدرالية بين الإيجابيات والتحديات
يُنظر إلى الفدرالية على أنها من أنجح أنماط الحكم في الدول التي تضم مكونات ثقافية واجتماعية متنوعة، لما توفره من آليات ديمقراطية فعالة لإدارة الاختلافات، كما تُعدّ حلًا مناسبًا للعديد من المشكلات الاقتصادية، بفضل ما تتيحه من استثمار الموارد وتوسيع مجالات التنمية.
غير أن هذا النظام لا يخلو من سلبيات، إذ قد تواجه الحكومة الاتحادية صعوبات في بسط سيطرتها الكاملة على شؤون الدولة، وقد تنشأ نزاعات متكررة بين الاتحاد والولايات، إضافة إلى ذلك، قد يؤدي ازدواج السلطات العامة إلى زيادة الأعباء المالية على المواطنين.





