"التطبيع" يُثير الجدل السياسي في العراق

ملخص :
تحوّل موضوع التطبيع إلى محور سجال سياسي واسع في العراق، بعد أن فُهم خطاب بطريرك الكلدان لويس روفائيل ساكو خلال قداس عيد الميلاد، مساء أمس الأربعاء على أنه دعوة للتطبيع مع إسرائيل، ما أثار ردود فعل سياسية وشعبية قوية.
ماذا قال البطريرك؟
وخلال قداس أعياد ميلاد المسيح في كنيسة مار يوسف بالعاصمة بغداد، قال لويس روفائيل ساكو في كلمة موجهة إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال، محمد شياع السوداني، إن "هناك كلامًا عن التطبيع وأتمنى من الحكومة الجديدة أن يكون التطبيع في العراق ومع العراق بلد الأنبياء، كما أن التلمود قد كتب في بابل، فالعالم يجب أن يأتي إلى العراق وليس إلى مكان آخر".
موقف الحكومة: "لا مكان لمفهوم التطبيع"
أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في تصريحات له، أن مفردة التطبيع لا وجود لها في قاموس العراق، مشيرًا إلى أنها مرتبطة بـ "كيان محتل"، في إشارة إلى قيام إسرائيل على أرض عربية مغتصبة عام 1948.
وجاء تصريح السوداني ردًا مباشرا على خطاب البطريرك ساكو الذي استخدم مصطلح "التطبيع" دون الإشارة صراحة إلى إسرائيل، مع العلم أن هذا المصطلح في الوسط السياسي العربي يشير إلى إقامة علاقات مع الكيان الإسرائيلي.
ردود فعل سياسية حادة
في السياق ذاته، أصدر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بيانًا شديد اللهجة، مؤكدًا أن القانون العراقي يجرم التطبيع مع إسرائيل، داعيًا الجهات المختصة لمباشرة اختصاصاتها دون تهاون، قائلا "لا مكان للتطبيع ولا لشرعنته في العراق"، مع التأكيد على الالتزام بالقوانين الوطنية والتشريعات القائمة.
كما أكدت وزيرة الهجرة والمهجرين إيفان فائق جابرو، وهي مسيحية، رفضها القاطع لأي تصريحات تدعو للتطبيع أو تبريره، قائلة "مثل هذه الآراء لا تمثّل موقف الشعب العراقي ولا تعبّر عن إرادته الحقيقية بجميع أطيافه ومكوّناته الدينية والقومية، العراق، حكومةً وشعبًا، كان ولا يزال ثابتًا على موقفه الداعم للقضية الفلسطينية العادلة، والرافض لكل أشكال الاحتلال والعدوان"، مشيدة بموقف رئيس مجلس الوزراء السوداني "الثابت في رفض دعوات التطبيع"، معتبرة أنه يعكس التزام الحكومة بمبادئ الوطنية والعدالة.
البطريركية توضّح المقصود
أصدرت البطريركية الكلدانية بيانا جاء فيه أن البطريرك معروف بوطنيته، وعراقيته حتى النخاع ودافع عن ذلك في المحافل الدولية، مضيفات أن الكلمة الدقيقة التي قالها هي "على الحكومة القادمة أن تهتم بتطبيع العالم مع العراق وليس مع غيره"، موضحا أن التطبيع الذي أشار اليه ليس تطبيعا سياسيا مع إسرائيل، مؤكدا أن البطريرك سبق وأدان عدة مرات الاعتداء الغاشم على غزة، وقصده هو التطبيع الحضاري مع العراق.
ورجا البيان عدم الانجرار وراء ما يسمى التطبيع مع إسرائيل، وأن البطريرك -على العكس- أراد جر هذا البساط من إسرائيل لصالح العراق.
الإطار القانوني العراقي
ويجدر التذكير أن العراق تبنى في عام 2022 قانونًا يجرم التطبيع مع إسرائيل، وتنص المادة 4 من القانون رقم 1 لسنة 2022 على "يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت كل من سافر إلى الكيان الصهيوني، أو زار سفاراته، أو اتصل بأي من مؤسساته في العالم"، وتقضي المادة 5 من نفس القانون "بالإعدام أو السجن المؤبد على كل من أقام أي نوع من العلاقات مع إسرائيل في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو غيرها".
أثارت القضية جدلًا واسعًا على الصعيدين السياسي والشعبي، حيث شدد المسؤولون العراقيون على رفض أي علاقات مع إسرائيل، بينما أوضحت البطريركية المقصود من تصريحات البطريرك لويس روفائيل ساكو، ويظل القانون العراقي مرجعًا حاسمًا في تحديد موقف الدولة تجاه أي شكل من أشكال التطبيع.





